في 20 نيسان من العام 2014 الماضي، إنطلقت مُحاكمة الوزير السابق ميشال سماحة بعد سنتين وسبعة أشهر على توقيفه الذي كان قد تمّ في 9 آب 2012. وفي 13 أيّار 2014، أصدرت المحكمة العسكريّة الدائمة، برئاسة العميد الركن خليل إبراهيم، حكمها في حقّ الموقوف سماحة، وقضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة به مدّة أربع سنوات ونصف السنة، وتجريده من حقوقه المدنيّة(1). وفي 2 حزيران الماضي، قبلت محكمة التمييز برئاسة القاضي طاني لطّوف الطعن المُقدّم من قبل مُفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي صقر صقر في الحكم الصادر. وفي اليومين المُقبلين ستبدأ مُحاكمة الموقوف سماحة من جديد ومن مرحلة الصفر، بعد أن إعتبرت محكمة التمييز حُكم المحكمة العسكريّة لاغياً. فهل ستتأثّر محكمة التمييز بالحُجج المُقدّمة من وكلاء سماحة لإخراجه من السجن قريباً، أمّ أنّها ستقتنع بحُجج الإدعاء فتُشدّد العقوبة؟
إذاً، ستنطلق مُنتصف الأسبوع الحالي جلسات مُحاكمة الوزير السابق ميشال سماحة من الصفر، بعد تراجع هذا الأخير عن إعترافاته، وسيتمّ الإبقاء على قرار المحكمة العسكريّة الدائمة لجهة السير بالمُحاكمة بشكل مُنفصل عن المُدعى عليه مدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك، بعد أن تعذّر إبلاغ هذا الأخير، علماً أنّ سماحة الذي كان يشغل قبل توقيفه منصب مُستشار الرئيس السوري بشار الأسد، مُتهم بجلب مُتفجّرات من سوريا لتنفيذ عمليّات تفجير وإغتيال إرهابيّة في الداخل اللبناني، بعد نيل أوامر التنفيذ والأموال الخاصة بالشؤون العمليّة للتنفيذ من المملوك شخصيّاً.
وبحسب المعلومات المُتوفّرة فإنّ فريق الدفاع عن سماحة ينوي إستغلال إعادة إنطلاق المُحاكمة من الصفر، لتغيير الإستراتيجيّة التي سبق أن إعتمدها في المُحاكمة السابقة، حيث ينوي المُتهم سماحة التراجع عن كامل إعترافاته السابقة، في الوقت الذي يُخطّط فريق الدفاع للحديث عن إتهامات سياسيّة ضُدّ مُوكّله، وعن إعترافات غير صحيحة وأخرى إنتزعت بالضغط. ومن جديد، سيُطالب فريق الدفاع بمُشاركة ميلاد كفوري شخصياً بالمُحاكمة، وسيتهم هذا الأخير بتدبير كمين لسماحة بالتنسيق مع "شعبة المعلومات"، وذلك بهدف الإيقاع به لأهداف سياسيّة. كما سيُحاول فريق الدفاع الذي كان حاول في السابق الإدعاء بأنّ دور سماحة لا يتجاوز نقل أسلحة غير مُرخّصة، إظهار سماحة بأنّه ضحيّة مُؤامرة إستخباريّة بخلفيّات سياسيّة، وأنّه لم يقترف أيّ جرم. كما سيُحاول التنصّل من الإعترافات السابقة، وسيعتبرها مُوجّهة من مُخبر سرّي لجهاز أمني هو ميلاد كفوري، وسيدّعي أنّ سماحة كان ينوي إستهداف مُسلّحين من المُعارضة السورية، ومعابر التهريب غير الشرعيّة بين لبنان وسوريا، فقط لا غير.
وبحسب المعلومات أيضاً، إنّ فريق الإدعاء لا ينوي إفشال سعي فريق الدفاع لإخراج سماحة من السجن في أقرب فرصة فحسب، بل يُخطّط للحصول على تشديد على مستوى العُقوبة التي بنظره لا تتناسب إطلاقاً مع الجُرم الذي إرتكبه سماحة، لجهة تنفيذه أوامر خارجية مُرتبطة بمؤامرة خطيرة لضرب الإستقرار في لبنان، والسعي عملياً للتسبّب بمجازر إرهابيّة من شأنها إثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة والتسبّب بردّات فعل أمنية تضرب الإستقرار، وذلك عبر نقل مُتفجرات وصواعق في سيارته الخاصة، وعبر دفع أموال نقديّة للمُنفّذين المُفترضين، وعبر المُوافقة على لائحة إسميّة للمُستهدفين تتضمّن شخصيّات سياسيّة ورجال دين ومدنيّين. وسيُشدّد فريق الإدعاء على أنّ سماحة هو الذي إتصل بكفوري وليس العكس، لأنّه يعرفه منذ أكثر من ثلاثة عقود ويثق به ويعرف خلفيّته الأمنيّة(2)، وأنّه من غير المنطقي أنّ يتمكّن مُخبر سرّي من توريط الخبير في المجال السياسي سماحة وأعلى القيادات الأمنيّة السورية. وسيستند فريق الإدعاء إلى الأشرطة البصريّة-السمعيّة الواضحة والتي تُدين سماحة بفمه، خاصة وأنّ محكمة التمييز طلبت كل الأشرطة المُتوفّرة، ليكون حكمها مُستنداً إلى وقائع دامغة.
إذاً، أيّام قليلة ويُضاف ملفّ جديد للمشاكل وللملفّات اللبنانيّة المُتراكمة، على أمل أن لا يشهد هذا الملف القضائي أيّ إنقسام في الداخل اللبناني بخلفيّات سياسيّة، وعلى أمل أن يكون القرار القضائيّ مستندًا إلى قوة القانون أولاً وأخيرًا، بعيدًا عن كلّ الضغوط من هذا الطرف السياسي أو ذاك. إشارة أخيراً إلى أنّه من المُتوقّع أن يصدر حُكم التمييز خلال أسابيع قليلة.
(1) تذكير أنّ قاضي التحقيق العسكري الأوّل، رياض أبو غيدا، كان طلب إصدار حُكم الإعدام بحقّ سماحة بحسب القرار الإتهامي الذي صدر في 20 شباط 2013، بينما جاء الحُكم لمدّة أربع سنوات ونصف السنة، علماً أنّ كل سنة سجنيّة بحسب ما هو مُطبّق حالياً توازي تسعة أشهر حبس فقط لا غير.
(2) كان كفوري يشغل خلال الحرب الأهليّة منصباً أمنيّاً في جهاز أمن رئيس الهيئة التنفيذيّة السابق في "القوات اللبنانيّة" الوزير الراحل إيلي حبيقة، وهو يعرف سماحة منذ نحو 30 سنة، حيث كان "الإتفاق الثلاثي" هو الجامع بين سماحة وحبيقة وكفوري.