امعاناً في اظهار لبنان بأنه "قاصر" ولا يستطيع ادارة شؤونه بنفسه، وطمعاً ببعض مظاهر الترف والرفاهية والمكاسب الخاصة، يعمد سياسيو لبنان الى الترحال فترة بعد اخرى نحو بلد خليجي من اجل الاجتماع برعاية اقليمية-دولية وحل المشاكل التي خلقوها وتسببوا بها "من اجل مصلحة لبنان". وعلى غرار الشعلة الاولمبية التي تنتقل من بلد الى آخر لاستضافة الالعاب الاولمبية، تنتقل شعلة المؤتمرات لجمع السياسيين اللبنانيين من دولة الى اخرى.
قبل الطائف، كان اللبنانيون يذهبون الى اوروبا (اجتماع لوزان مثلاً)، لكن بعد الطائف احتكرت الدول الخليجية جذب اللبنانيين اليها، فكان الطائف وبعده الدوحة وها هي اليوم محطة جديدة تبرز في الافق وهي: سلطنة عمان. كلام النائب وليد جنبلاط الاخير لجهة الحاجة الى مؤتمر جديد لحل الازمة، لاقاه فيه وزير السياحة ميشال فرعون في كلامه عن الحاجة الى اتفاق طائف جديد، وتقاطع بالتأكيد مع كلام سابق حول اهمية عقد مؤتمر تأسيسي جديد.
من هنا، بدأ الاهتمام بالتحضير لمؤتمر جديد، لم يكن من المهم تحديد موعده لان الظروف الدولية والاقليمية المناسبة هي التي ستتكفل بذلك، بل كان الاهم تحديد مكان انعقاده. وفي ظل الانشغال السعودي بتطورات اليمن والاتفاق النووي الايراني وتداعياته وكيفية التعامل معه، وفيما لم تعد الدوحة مكاناً صالحاً للجميع كبلد محايد، برز كلام في الآونة الاخيرة عن اختيار عُمان كمكان لعقد هذا المؤتمر وحل الازمة اللبنانية.
ويشرح البعض اسباب هذا الاختيار الذي لم يتم تبنّيه بشكل رسمي، ويبقى عرضة للاخذ والرد، فيشيرون الى ان السلْطَنَة مناسبة تماماً لولادة الحل اللبناني فيها كونها لا تزال اولاً ضمن الجغرافيا الخليجية وهي عضو في مجلس التعاون الخليجي، ما يعني ان مسار استضافة الخليج لمؤتمرات المصالحة والحل اللبناني تبقى متماسكة وصالحة دون المس بها.
اضافة الى ذلك، تعتبر عُمان بعيدة نسبياً عن المَعْمَعَة اللبنانية، وهي لم تدخل في الوحول اللبنانية ولا الاقليمية ولا الدولية، ما يجعلها مقبولة من الاطراف اللبنانيين الذين لن يحرجوا في التوجه اليها مهما كان انتماؤهم، فهي قريبة من الخليجيين جميعاً، كما انها اتخذت مكاناً مناسباً لها مما يدور في اليمن وسوريا، فلم تُعطِ سبباً لتشكيك الخليجيين بها كما لم تجعل الايرانيين يبتعدون عنها.
ولعل السبب الاهم والاكثر منطقية يكمن في الثقة الدولية والاقليمية فيها، فهي مثّلت انطلاقة شرارة الاتفاق النووي بين ايران والغرب، حيث كانت اراضيها مسرحاً للقاءات جريئة، وضعت المدماك الاساس في بنيان هذا الاتفاق الذي استكمل شكله الهندسي في سويسرا، وهذا ان دل على شيء، فعلى مدى الثقة التي تحوزها السلطنة من قبل مختلف الاطراف.
اما عدم الحديث ولو بتسريبات عن هذا الموضوع، فيعزوه البعض الى عدم افشال هذه الفكرة، او وضع العراقيل امامها عبر طرح دول اخرى، فتزداد الامور تعقيداً فيما المطلوب جعلها اكثر سهولة وسلاسة.
من هنا، قد يكون هذا الطرح موضوعياً، وقد يكون جدياً ايضاً في حال كان الحديث عن عقد مؤتمر جديد لوضع الحل للازمة اللبنانية مع الاقطاب في دولة خليجية، علماً ان السلطنة لا ينقصها اي من الاغراءات التي ذكرناها آنفاً والتي تجعل السياسيين ينجذبون الى الدول الخليجية للتوقيع على الحلول "من اجل المصلحة اللبنانية العليا".
قد يكون هذا الطرح بعيداً عن التحقيق، ولكنه يبقى طرحاً موضوعاً على الطاولة، وليس غريباً على اللبنانيين الاعتياد على دول جديدة، كما ليس بعيداً عنهم قدرتهم على استقبال اي فكرة مفاجئة او جديدة طالما انها ستضمن بقاءهم ضمن الصورة الكبيرة واطار الحل الذي يجب ان يشملهم. فهل ستذوق سلطنة عُمان طعم الحل اللبناني؟