لم يكن مفاجئاً أن يطلب مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تنفيذ حملة توعية لإطلاع المسؤولين على المخاطر المحدقة في لبنان، ومنها احتمال خفض التصنيف السيادي. فهذا التوقيت بالذات ينسجم مع بدء حملة القمع والسحل التي تنفذها القوى السياسية بأدوات أمنية، وهو يكمل الحملة التي أطلقتها غرفة التجارة في بيروت وجمعية التجار قبل أيام دفاعاً عن «سوليدير»، حيث «لن يُسمح بأن يكون الوسط أبو رخوصة»، على حدّ تعبير نقولا شمّاس. فهل انضمّت المصارف ومصرف لبنان إلى حملة التهويل؟
انعقد الخميس الماضي اللقاء الشهري بين حاكمية مصرف لبنان ومجلس إدارة جمعية المصارف. محضر اللقاء الصادر عن الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر تحت الرقم 299 يشير إلى أنه «تم التوافق بين الجمعية ومصرف لبنان على ضرورة توعية المسؤولين على خطورة استمرار التردي في الاوضاع السياسية والامنية وانعكاسها على تصنيف مخاطر لبنان السيادية، وما قد يترتب عليها من آثار على أداء القطاع المصرفي والمالي وكلفة تمويل البلد».
وبحسب المطلعين على أجواء اللقاء، فإن هذه الخطوة جاءت بطلب من رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف وأن الحاكم وعد «خيراً»، ونفى هؤلاء أن تكون الدعوة في إطار الحملة على الحراك الشعبي.
لكن ما يثير الاستغراب هو أن سلامة سبق له في بداية الجلسة أن تحدّث عن «أن الأوضاع النقدية مستقرّة رغم الأحداث القائمة»، واستدلّ على هذا الأمر بالإشارة إلى أن «أسعار الفوائد مستقرة وتوفّر السيولة في السوق». لا بل إن سلامة توقّع «نمواً للودائع والتسليفات المصرفية تباعاً بحدود 6% و5% على أساس سنوي، على عكس النمو الاقتصادي الذي توقعه متدنياً، بل صفراً في المئة».
النموّ بمعدل صفر في المئة لم يخلق لدى سلامة حافزاً لـ«توعية» المسؤولين ضمن حملة ممنهجة كما اقترحها مجلس إدارة جمعية المصارف. وأبعد من ذلك، فإن المداولات في اللقاء الشهري تشير إلى أن سلامة بدا مطمئناً بشأن تغطية إصدار الدين بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) بقيمة تزيد على ملياري دولار. لا بل إن سلامة شجّع المصارف على «التعاون لإنجاح الاصدار الجديد الذي تعدّه وزارة المال.
ففي ذلك إيجابية للبلد والقطاع المصرفي. ورأى أن الطاقة التمويلية متوافرة لدى المصارف ولدى البنك المركزي».
وبحسب محضر اللقاء، فإن سلامة أكد «كما سبق وكرر مراراً، أن مصرف لبنان سيستمر خلال عام 2016 بحزمات تحفيز التسليف». فكما بات معروفاً، إن مصرف لبنان يمنح المصارف تسليفات بفائدة 1% وهي تعيد إقراضها في السوق بفائدة لا تتجاوز 5%. والإحصاءات المتوافرة عن هذه العمليات تشير إلى أن مجموع المبالغ التي ضخّها المصرف المركزي في الأسواق ارتفعت إلى نحو 2.8 مليار دولار، من ضمنها المبالغ التي لا تزال متاحة للإقراض حتى نهاية 2015. كذلك، حسم سلامة قراره بتخصيص مبلغ مليار دولار في عام 2016 لتعزيز هذه الهندسة وتحفيز الاقتصاد والتسليف، أي إن المصارف تكون قد استفادت من مبلغ 3.8 مليارات دولار خلال السنوات الأربع الماضية لتحقق أرباحاً تتجاوز 125 مليون دولار، وذلك على اعتبار أن كلفة إدارة هذه المبلغ توازي 0.5% تضاف إلى الكلفة الأساسية (1%)، ما يعني أن الفرق هو ربح صافي للمصارف. ولا يمكن إغفال أن شركات التأمين المملوكة من المصارف قد استفادت من هذه المبالغ بصورة مباشرة، لأن المصارف تفرض على زبائنها شراء بوليصة من هذه الشركات كشرط أساسي لمنح القرض.
رغم كل الحديث الإيجابي الوارد على لسان سلامة في اللقاء الشهري، إلا أن مجلس إدارة جمعية المصارف لم يتحدّث إلا عن الجوانب السلبية، إذ «توقفت الجمعية عند استسهال الدولة لموضوع التمويل بالعملات وعدم الإقدام على أي إصلاح أو تغيير في المقابل». كذلك طلبت المصارف من الحاكم القيام بحملة توعية للمسوؤلين عن مخاطر انخفاض التصنيف... ثم ذهبت الجمعية لتلمّح إلى ضرورة غض النظر عن مخالفات التسديد المسبق للديون، وخصوصاً أن هذه المخالفة توجب على الزبون دفع غرامة. الأغرب من ذلك أن بعض المصارف كان يطلب من سلامة منع الغرامات في حالة التسديد المسبق، علماً بأن الزبون مصنّف متعثّراً أو متخلفاً عن السداد، ما يثير تساؤلاً أساسياً: كيف يمكن المصرف قبول التسديد المسبق رغم أن الزبون متعثّر؟ من أين يأتي الزبون بالمبلغ الذي سيسدّده رغم أنه متعثّر؟ ألا ينطوي الأمر على احتيال أو أكثر؟
جواب سلامة ولجنة الرقابة على المصارف كان واضحاً، فإذا رغب الزبون في التسديد المسبق لقرضه المدعوم، عليه أن «يتحمل فوارق الفوائد المدعومة مع الفوائد الرائجة في السوق». وتمنى الحاكم على المصارف «دراسة أفضل للملفات منذ البداية، فلا تمنح تسليفات متوسطة وطويلة ومدعومة إذا انتفت الحاجة اليها».
في الواقع، يقول مصدر مطّلع، إن اصحاب المصارف كانوا يتغنون في اللقاء الشهري بأن أرباحهم زادت في النصف الأول من السنة الجارية لتزيد على 870 مليون دولار مقارنة مع 840 مليوناً في النصف الأول من السنة الماضية «لكن رغبة كبار المصرفيين في إجراء سلسلة زيارات للمسؤولين، حيث بإمكانهم تقديم أوراق اعتمادهم لدى قوى السلطة وتجديد ولائهم لها، إضافة إلى إجراء جلسات تصوير إعلامية... كل ذلك يعبّر عن المخاطر التي يتحدّث عنها هؤلاء».