بعد خمسة أيام من البحث المضني، تعثّرت جهود المواطن الفلسطيني ماهر حجازي "أبو محمود" (52 عاماً) في الحصول على أضحية بسعر مقبول يناسب دخله، فقرر أن يقضي هذا العيد بدونها للمرّة الأولى بعد أن اعتاد على توفيرها كلّ عام لعائلته المؤلفة من ثمانية أفراد.
طبعاً، "أبو محمود"، الذي يسكن في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، هو واحدٌ من نسبةٍ كبيرةٍ من الفلسطينيين في قطاع غزة الذين سيقضون عيد الاضحى المبارك بلا أضحية جراء ارتفاع اسعارها(1)، بنسبة تصل الى 30% عن العام الماضي مما تسبب في تراجع الحركة الشرائية، ونتيجة لتدهور أوضاعهم المعيشية والاقتصادية وعدم تلقي الموظفين من حكومة حماس السابقة رواتبهم وارتفاع معدلات البطالة والفقر(2).
ويقول تاجر الأبقار سامي البطنيجي إنّ الأوضاع المعيشية الصعبة في القطاع لا تخفى على أحد، ويشير إلى أنّ ثمة آمال كانت موجودة لدى الكثير من الناس بأن تنخفض أسعار العجول والأبقار، أو أنّ كميات كبيرة ستدخل من قبل الجانب الإسرائيلي، إلا أنّها تبخّرت، ما أدّى لعزوف الغالبية عن شراء الأضحية.
وفي حديث لـ"النشرة"، يُرجع البطنيجي الارتفاع في أسعار الأضاحي هذا العالم لما يسمّيه "الغلاء العالمي"، مشيراً إلى أنّ "الناس تنتقل من مزرعة إلى أخرى من دون أن تجد حاجتها، فالأسعار مرتفعة ولا كميات كافية".
لكنه يلمح إلى أن هنالك الكثير من الناس ممن اعتادوا على الأضحية، حاولوا بقدر المستطاع دفع فرق الزيادة عن العام الماضي حتى يؤدوا الأضحية التي هي من شعائر الدين.
لا شيء يساعد على الفرح!
ولأنّ الأوضاع المعيشية في غزة باتت صعبة، فإنّ الكثيرين لم يستطيعوا حتى تأمين ملابس العيد لأطفالهم، ومن هؤلاء الفلسطينية ابتسام خليل (45 عاماً)، وهي أمّ لأحد عشر طفلاً، حيث تقول لـ"النشرة" أنّ محدودية الدخل حالت دون اكتمال فرحة العيد، إذ إنّ زوجها عاطل عن العامل، والعائلة تعتمد بالأساس على راتب ابنها الذي يعمل موظفاً في الحكومة الفلسطينية برام الله.
وتقول خليل: "لا أكون صادقة لو قلت لك أنني سعيدة بالعيد، فهنا لا شيء يساعد على الفرح، حتى في شراء الملابس لأطفالنا الذين ينتظرون العيد كي يلهوا ويلعبوا ويفرحوا"، وتضيف: "ظروفنا صعبة وقاسية كغيرنا ممن يعيش في غزة ولا أحد يشعر بقدوم العيد".
وتوضح إنّ عيد الأضحى يمر على سكان غزة هذا العالم في ظل ظروف صعبة وازمات إنسانية متعددة، كانقطاع الكهرباء والمياه، إضافة إلى أنّه ومنذ الحرب الأخيرة فقد كثير من العمال مصدر رزقهم الوحيد وأصبحوا عاطلين عن العمل.
ضعف القدرة الشرائية
أمّا وكيل وزارة الاقتصاد الوطني في غزة، إبراهيم جابر، فيرى أنّ اشتداد وطأة الحصار على قطاع غزة، وانقطاع الرواتب عن الموظفين الحكوميين في حكومة "حماس" السابقة، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر ومعدلات البطالة، كلّها عوامل أثّرت على القدرة الشرائية للمواطن في غزة، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الأضاحي المشتراة من الجانب الإسرائيلي عن العام الماضي.
وفي حديثه لـ"النشرة"، يشير جابر إلى أنّ "الجانب الاسرائيلي رفع الأسعار بحجة ارتفاعها في السوق الدولية وسوق الأبقار في العالم، وكونه هو السوق الوحيد الذي نستورد منه فهو المتحكم في الأسعار والكميات الموجودة".
ويضيف: "كل هذه العوامل أدّت إلى إضعاف القدرة الشرائية لدى المواطنين، إضافة إلى تفجر الكثير من الأزمات التي أصلاً موجودة سابقاً، لكنها تفجرت تزامناً مع العيد كأزمة الكهرباء والوقود وغيرها، ما أدّى إلى فقدان بهجة العيد حقيقة".
ويلفت وكيل وزارة الاقتصاد إلى أنّ "المنزل الذي اعتاد على الاضحية وإدخال لحمها إلى البيت وتوزيعها على الأقارب والجيران والمستحقين، ليفرح هو وأبناؤه بها، هذا العام لن تدخل مما يعطي نوعاً من الحزن لدى كثير من الناس التي لم تستطع أن تضحي".
(1) ارتفعت أسعار الأضاحي في السوق المحلية عن العام الماضي بنسبة 30%، وبلغ سعر المواشي الصغيرة كالماعز والخراف ما بين 500 إلى 1000 دولار، مما جعل الإقبال ضعيفًا على شرائها، بسبب الركود الاقتصادي وازدياد الفقر والبطالة في غزة، ويبلغ متوسط سعر الأضحية، من المواشي البلدية غير المستوردة، قرابة 2500 شيكل (640 دولار أميركي) في الوقت الحالي، بارتفاع بلغت قيمته قرابة 1000 شيكل (256 دولار أميركي)، عن سعرها خلال عيد الأضحى في الموسم الماضي.
(2) بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 43%، وتعد الأعلى في العالم، إضافة إلى أنّ نحو 80% من سكان القطاع يحصلون على إعانة اجتماعية، ولا يزال 40 % منهم يقبعون تحت خط الفقر بحسب إحصائية صادرة عن البنك الدولي، في أيار الماضي.