ليست المرة الأولى التي تقع فيها كوارث خلال مراسم الحج يذهب من جرائها المئات والآلاف من الضحايا والجرحى، فلا يخلو موسم من المواسم من كارثة بسبب انعدام المسؤولية والكفاءة من قبل المشرفين على أداء هذه الفريضة المقدسة. ثم تأتي التبريرات الوقحة لتحمّل المسؤولية للحجيج أنفسهم، وهي تبريرات تنمّ عن قدر كبير من الصبيانية والاستخفاف بأرواح الحجيج. إنّ من يهيمن على الأماكن المقدسة هو الذي يجب أن تُوجه إليه المسؤولية الكاملة عن التقصير المتعمّد والفاضح عن سوء الإدارة بدءاً من الاستقبال الفظ للحجيج إلى حين المغادرة التي لا يشعر معها الحجيج إلا بالاحتقار وقلة الاحترام وسوء المعاملة.
إنّ الأعذار التي يطلقها آل سعود وأعوانهم وأجهزتهم ليست إلا أعذاراً واهية، فكلّ من يزور بيت الله الحرام حاجاً أو معتمراً يشعر بالإساءة والإهمال والتقصير والتسيّب وفوضى التنظيم، أما الإعلام السعودي فيعطي صورة مغايرة تماماً عن الواقع والحقيقة المرّة.
يكفي تكدّس النفايات والأوساخ على الطرقات وتصاعد الروائح الكريهة والازدحامات المرورية وعدم توّفر مساحات كافية في المشاعر المقدسة لمكوث الحجاج واستيعاب حركتهم فضلاً عن سوء الخدمات فيها.
لقد تحوّل الحجّ بالفعل إلى هاجس بالنسبة إلى الراغبين بأداء هذه الفريضة وتخوّف من أن لا يعودوا إلى أهلهم وديارهم سالمين بسبب تكرّر الحوادث وتتاليها في كلّ عام، من سقوط جسر إلى احتراق خيام أو مبان سكنية، إلى حالات الاختناق والدهس بفعل الازدحامات المرورية، ما يؤكد أنّ من يدير هذه المشاعر المقدسة غير مؤهل ولا يملك الخبرة الكافية ولا التخطيط السليم ولا الإدارة المتقنة لتأمين موسم حجّ خالٍ من الحوادث والكوارث والأخطاء.
في كثير من دول العالم يتمّ تنظيم مهرجانات واحتفالات ضخمة يحتشد فيها الملايين ومع ذلك لا نسمع عن ضحايا بسبب التدافع أو الحرائق أو الضغط المروري، والأهمّ أننا لا نسمع عن ظاهرة إهانات وتمييز عنصري تبدأ من المطارات، وكلنا يسمع عن المباريات الرياضية العالمية التي تنظمها بعض الدول والتي يحتشد لمشاهدتها الملايين وهؤلاء يدخلون ويخرجون إلى الملاعب والساحات ويتنقلون في الشوارع من دون أن تحدث كوارث مميتة إلا نادراً لأنها تتخذ أعلى درجات الأمان وتؤمّن أرفع شروط الإقامة والسلامة، فلماذا لا يُستعان بخبرة هؤلاء الذين ينظمون هذه المهرجانات التي تستوعب الملايين؟ ولماذا لا يُستعان بخبرة الدول الإسلامية المشهود لها تنظيم احتفالات كبرى لتشارك المشرفين في التنظيم وتساعد في تأمين أحدث وسائل النقل والإقامة لإنجاح هذه المهمة الجليلة.
إنّ خدمة بيت الله الحرام وزواره ليست منحصرة ببلد دون بلد ولا بشعب دون شعب بل هي مهمة كلّ المسلمين وكلّ من يستطيع أن يقدم مساعدة في هذا المجال. والواجب يحتّم أن تتشارك كلّ الدول الإسلامية بما لديها من خبرات وإمكانات لتقديم أفضل الخدمات للحجيج التي تضمن سلامتهم وأمنهم وتعكس صورة راقية وحضارية عن الحجّ. لقد طفح الكيل وبات من الضروري الضغط على آل سعود لتصحيح المسار والطريقة المخجلة التي يتمّ التعاطي فيها مع هذه الفريضة المقدسة!