في الآونة الأخيرة، كثرت التحليلات والمعطيات حول دوافع التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، من خلال المساعدات التي تقدم إلى الجيش السوري على نحو غير مسبوق، بالتزامن مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الجيش الشرعي الوحيد، الذي تعترف به بلاده، هو الذي يأخذ أوامره من الرئيس بشار الأسد.
الخطوات التي تقوم بها موسكو، في هذه الأيام، يمكن القول أنها بمثابة زلزال على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وهي ستكون كفيلة في تبدل المشهد الإقليمي القائم، خصوصاً أن روسيا ستسعى سريعاً إلى إثبات قوتها وقدرتها على التغيير في الميدان، بعد أن كانت وجهت الكثير من الإنتقادات إلى التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، لمحاربة الإرهاب، نتيجة عجزه عن وقف تقدم تنظيم "داعش" الإرهابي.
في هذا السياق، تلاحظ مصادر متابعة، عبر "النشرة"، حالة من الإرباك تسيطر على مختلف الجماعات السورية المعارضة، المتطرفة منها والمعتدلة على حد سواء، لا سيما أن عنوان التدخل الروسي هو عدم السماح بإسقاط مؤسسات الدولة السورية، العسكرية والأمنية والسياسية، وبالتالي سيكون على الفصائل، الراغبة في حجز موقع لها في التسوية المنتظرة، تقديم التنازلات التي تسمح لها بذلك، بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية التي تقف خلفها، والتي بدأت تدرك بنفسها أن الإستمرار في المواقف السابقة لم يعد ينفع، في ظل التحولات القائمة على الصعيد الدولي، والتي ظهرت بشكل واضح من خلال المواقف الأوروبية، المؤكدة على دور الرئيس الأسد في المرحلة الإنتقالية، الأمر الذي إنعكس سريعاً على موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هناك معادلات أصبحت ثابتة في إدارة الأزمة، أولها بقاء الرئيس الأسد في موقعه لفترة ليست بقصيرة، بالإضافة إلى منع إسقاط مؤسسات الدولة السورية التي سيكون لها دور أساسي في الحرب على الإرهاب، التي باتت عنوان كل التحركات الدبلوماسية على مستوى العالم، وتشير إلى أن المشهد السياسي سيرسم إنطلاقاً من ذلك على مستوى قوى المعارضة، التي يرغب بعضها بأن يكون جزءاً منه بأي ثمن، وتضيف: "الفريق الذي سيسعى إلى الوقوف بوجه هذه التحولات لن يكون موجوداً في المستقبل"، إلا أنها تحذر من أن ما لم يحسم حتى الساعة هو بقاء الدولة السورية بحدودها الحالية.
في ظل هذه الوقائع، تلفت أوساط مراقبة، عبر النشرة"، إلى وجود أربع فصائل عسكرية كبرى على الأرض السورية، هي "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، "جبهة النصرة"، أي الجناح السوري لـ"تنظيم القاعدة"، بقيادة أبو محمد الجولاني، حركة "أحرار الشام"، التي تشهد تحولات متكررة على مستوى قيادتها السياسية، تنظيم "داعش" الذي أعلن الخلافة بقيادة أبو بكر البغدادي، في وقت باتت فيه الفصائل المعتدلة، أو المنضوية تحت لواء ما يسمى "الجيش السوري الحر"، شبه معدومة الحضور الفاعل على الأرض، كحال التشكيلات السياسية التي ولدت في الخارج، مثل "المجلس الوطني" و"الإئتلاف الوطني".
وفي حين تشدد الأوساط نفسها على أن "داعش" لا يمكن أن يكون جزءاً من العملية السياسية في المستقبل، تلفت إلى محاولات تجري لإعادة توزيع القوى العسكرية، تبدأ من خلال سعي "جيش الإسلام"، الذي يحظى برعاية المملكة العربية السعودية، إلى توسيع رقعة نفوذه على الأرض، عبر تثبيت سيطرته على منطقة الغوطة الشرقية، بالتزامن مع تولي زمام الأمور في الجبهة الجنوبية، التي كانت تقودها فصائل متعددة مدعومة من غرفة العمليات "موك" الموجودة داخل الأراضي الأردنية.
من وجهة نظر الأوساط المراقبة، تبقى الأزمة الكبرى متمثلة بالجبهة الشمالية، حيث بدأ الصراع يأخذ منحى جديداً، بعد تفاقم الخلافات بين كل من جبهة "النصرة" و"أحرار الشام"، حيث يواجه الفريق الأول مشكلة الإرتباط بـ"القاعدة"، التي تحتم عدم دخوله في أي تسوية مستقبلية، في حين يسعى الفريق الثاني إلى الدخول بقوة من خلال رسائل "الغزل" التي يرسلها في كل الإتجاهات، وتلفت إلى أن هناك تياراً سورياً في "النصرة" يسعى إلى ركوب "الموجة"، عبر "الإنفصال" عن التنظيم العالمي، في حين يبقى الجزء الأكبر ملتزماً بـ"البيعة" التي في عنقه لـ"القاعدة".
وتلفت هذه الأوساط إلى أن الأوضاع إنفجرت في الأيام الأخيرة، من خلال تكرار المتحدث الرسمي السابق باسم الجبهة، أبو فراس السوري، هجومه على الحركة، عبر إتهامها "بالتعاون مع دول الكفر وأنظمة الردة"، نتيجة تراكم الخلافات في وجهات النظر، من المنطقة الآمنة، التي تريدها تركيا، والعلاقات مع الدول الغربية التي تسعى "أحرار الشام" إلى تعزيزها، وصولاً إلى إدارة المناطق التي يتشاركان السيطرة عليها، خصوصاً في محافظة إدلب، ما يعني أن المواجهة بينهما أصبحت أمراً محسوماً، إلا إذا قررت "النصرة" حسم الجدل القائم في داخلها لصالح الفريق الراغب بالدخول في العملية السياسية، ما يعني إنشقاق الفريق الآخر أو إنضمامه إلى "داعش"، وتذكر بأن زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري كان قد دعا، في وقت سابق، جميع الفصائل "الجهادية" إلى رصّ الصفوف في مواجهة الحملات التي تتعرض لها.
في الختام، يبدو واضحًا أنّ أساس التحولات القائمة يكمن في الموقف الروسي، الذي لن يكون متساهلاً في محاربة التنظيمات المتطرفة، كما كان الواقع في السابق، وبالتالي بات على الجميع حسم موقفه سريعاً، خصوصًا أنّ الأمور لن تكون سهلة على الإطلاق، لا سيما أن التطورات تحصل بسرعة غير مسبوقة.