سواء انتهت ازمة الترقيات بترفيع عدد من العمداء في الجيش اللبناني الى رتبة لواء، وفي مقدّمهم العميد شامل روكز، ام طويت هذه الازمة بعيد بلوغ العميد روكز السن التقاعدي ليل الرابع عشر من تشرين الاول، فانه في كلي الحالتين وقع الضرر المعنوي على المؤسسة العسكرية وتشظت من «اهل البيت» نتيجة اظهار الولاء السياسي هو الحافز الاساسي لتبؤ المناصب، وفق نهج لم يشهده الجيش اللبناني كما يحصل معه حالياً من ضرب لهيبة قيادته وتقويض للثقة في هذه المؤسسة التي يجمع كل السياسيين والمواطنين على دورها الضامن لهم.
فالهالة المحيطة بالجيش اللبناني تعرضت لفجوات وتفسخات على خلفية ازمة التعيينات والترقيات، اقسى مما اصابها في صراعات عدة احيطت بها.
وقد شكلت الازمة الحالية ذات الصلة بترقية العميد روكز الى رتبة لواء، بعدا عن اشكاليات قانون الدفاع وما لحظ في نصه من بنود ومواقع لهكذا رتبة، شكلت هذه الازمة حسب اوساط رسمية، رسالة واضحة الى معظم الضباط بأن الولاء السياسي على حساب قوة الانتماء للمؤسسة والنجاحات والقدرات التي يتمتع بها الضباط احيانا، قد لا تكون حافزاً للوصول الى مناصب عليا هي حق طبيعي في استراتيجية الحلم لاي مواطن في اي موقع كان.
وما اصاب المؤسسة العسكرية انسحب الى حد ما على مؤسسة قوى الامن الداخلي تتابع الاوساط ذاتها، على خلفية الاحتكاكات التي حصلت بين الناشطين في الحراك المدني وبين المجموعات لمكافحة الشغب وغيرها المولجة «حماية الاشخاص والممتلكات» كما جاء في الفقرة «ج» من المادة الاولى لتعريف قوى الامن الداخلي، والتي تتولى مجال الضابطة العدلية، وتعمل وفق الفقرة «أ» على حفظ النظام وتوطيد الامن والفقرة «د» على حماية الحريات في اطار القانون. لكن الحراك المدني الذي صوّب وجهة تحركه نحو وزارة الطاقة لكونها «مغارة الفساد» والهدر والصفقات، كان محقاً عندما باشر تحركه، بعد ان تفاقمت الازمات بتداعياتها على الواقع اللبناني ومستقبل ابنائه. فكانت كارثة النازحين السوريين، والازمة الاقتصادية الناتجة عن وضع لبنان على خط الصراع الاقليمي، بحيث طفح الكيل من غرق البلاد في النفايات دون ايجاد حلول لهذه الكارثة البيئية - الصحية.
لكن ناشطي الحراك ايضاً تكمل الاوساط تعرضوا للقوى الامنية التي عملت عى تأمين سلامتهم وحماية حقهم بالتعبير، فكانت الشتائم والكلمات البذيئة عدا عن «الشارات اليدوية السيئة» في اتجاه هذه العناصر ولا سيما الفتيات منهم، لدرجة ان اهالي عدد من هؤلاء ابلغ قوى الامن الداخلي عن قراره بالتوجه نحو الحراك للتعرض لناشطين يسيئون الى «بناتهم» لكن القيادة تابعت الامر معهم وطمأنتهم الى ان كرامة الفتيات مؤمنة ولن تتكرر هذه الشارات والتعابير المسيئة لهن.
لكن ماذا بعد هذا الواقع المتردي الذي اصاب هالة ودور مؤسستي الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي بالتزامن لكن كل من زاوية مختلفة عن الأخرى.
تقول الاوساط أن البلاد امام ازمة مفتوحة، على خلفية الترقيات العسكرية، اذ حتى حينه، لا انفراجات في هذا الموضوع، بعد ان كان قيادي رفيع في تيار المستقبل ابلغ عن موافقته وعدم رفضه ايجاد صيغة تطمئن رئىس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون من خلال ترقية العميد روكز بما يعطيه فرصة بان يكون من بين الاسماء الممكن ان تتولى قيادة الجيش اللبناني، لكن على اساس الا يكون هذا الأمر على حساب «ازعاج» قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، وان الاتصالات المكثفة التي دارت بين الوزراء علي حسن خليل، نهاد المشنوق ووائل ابو فاعور ومدير مكتب تيار المستقبل السيد نادر الحريري هدفت الى ايجاد صيغة ترضي عون وتعيد الحياة والحيوية الى مجلس النواب والحكومة، قبل ان يعدل رئىس مجلس النواب نبيه بري في الاولويات ويقدم ملف النفايات على حل ازمة الترقيات، بعد هجوم عون على وزير المالية علي حسن خليل ونقضه للتفاهم الذي لم يلحظ تعيين مدير عام لقوى الامن الداخلي.
اذ قبل التوصل الى مخرج لآلية الترقيات التي كان فاوض عليها عون وفوجىء بسقف المطالب التي كان سعى اليها فريقه المفاوض، ما ترك لديه قناعة بالخسارة وعقد معه تسوية غير متوازنة نسفها بموقفه الذي تبع الاجتماع الاسبوعي لتكتله.
وباستثناء حزب الكتائب اللبنانية الذي يتمايز بمواقفه، لم يكن في قناعة اوساط قيادية في التيار الوطني الحرّ، بأن رئىس الجمهورية السابق ميشال سليمان او وزير الدفاع سمير مقبل بمقدورهما عرقلة تسوية اذا ما كانت تعيد الاستقرار السياسي الى البلاد وتحرك مسيرة العمل الحكومي، خصوصاً ان الثنائي سليمان ـ مقبل، تكمل الاوساط، لا يرفضان اي مطلب لتيار المستقبل ولا يقويان على ذلك عند الحاجة، رغم محاولة اظهار قرارهما مستقلاً.
وتساءلت الاوساط لو كان بري او الحريري او جنبلاط يريد هكذا طلباً لما كان احد تجرأ على رفضه او عرقلته كما يحصل اليوم مع الزعيم الماروني ميشال عون.
ولذلك فان ازمة الترقيات عادت الى ملعب العماد عون الذي حدد سلة مطالبه مؤخراً، وكذلك يمسك بها الرئىس بري الذي اعادها الى الدرج نتيجة موقف عون تجاه الوزير حسن خليل بحيث في ظل هذا الواقع تبقى المؤسسة العسكرية معرضة للرياح السياسية من كل الجوانب... وربما من داخلها في حال ترقية روكز وامتعاض غير ضباط من هذه الخطوة فيما لو حصلت.