لم يكن من المتوقع أن يبقى الرئيس السابق ميشال سليمان، "فاعلاً" في الحياة السياسية بعد خروجه من قصر بعبدا، مسلماً الرئاسة الأولى إلى "فخامة" الفراغ، لكن "الصدفة" نجحت في إبقائه في الواجهة حتى اليوم، مستنداً إلى حصة وزارية وازنة، حصل عليها نتيجة "المناكفات" بين "التيار الوطني الحر" وقوى "14 آذار"، لا سيما "تيار المستقبل".
"الحظ" كان اللاعب الأساس في بروز الرئيس السابق، منذ أن كان ضابطاً في المؤسسة العسكرية، فوصوله إلى سدة الرئاسة كان "صدفة" أيضاً، نتيجة الإنقسام القائم في البلاد، والذي كان من المستبعد معه التوصل إلى إنتخاب رئيس جديد، بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق إميل لحود، من دون تسوية سياسية من العيار الثقيل، جاءت بعد أحداث شهر أيار من العام 2008، على أساس أن يلعب دوراً "وسطياً" بين الأفرقاء المتنازعين.
بعد ذلك، أراد سليمان، خلال أشهر قليلة، الخروج عن قاعدة "الصدفة" إلى "إثبات الذات" شعبياً، عبر الانتخابات النيابية في العام 2009، لكنه فشل في إيصال أي مرشح، مدعوم منه أو محسوب عليه، إلى الندوة البرلمانية، ليبدأ سلسلة من المناوشات مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، وصولاً إلى الخلاف مع مختلف قوى "8 آذار" في نهاية ولايته، نتيجة رفضها التمديد له ولو ليوم واحد، مع العلم أن الرئيس السابق لا يزال حتى الآن ينفي سعيه إلى ذلك، بالرغم من أن ردة فعله "العنيفة" تثبت العكس.
كان من المتوقع، بحسب ما تؤكد مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار لـ"النشرة"، الإنتهاء من حقبة سليمان بعد خروجه من القصر الجمهوري، لكن الحصة الوزارية التي حصل عليها في الحكومة الحالية، ساهمت في بقائه في الواجهة حتى اليوم، خصوصاً أن الخلافات الأساسية بين القوى السياسية، أي ملف التعيينات الأمنية، معني بها بشكل رئيسي ممثله الأبرز على طاولة مجلس الوزراء، نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، وتضيف: "من هنا بات الرئيس السابق اليوم ممراً في أي تسوية، بالرغم من أنه لا يملك حضوراً شعبياً أو نيابياً يخوله الحصول على موظف في السراي الحكومي لا ثلاثة وزراء".
بالنسبة إلى هذه المصادر، حصل سليمان على حجم مضخّم له، منذ أول حكومة ولدت في عهده، بسبب إصرار البعض على أن يكون لرئيس الجمهورية ممثلون في مجلس الوزراء، حتى ولو لم يكن يملك كتلة نيابية داعمة له، وتعتبر أن هذه الحصة كانت على حساب تمثيل باقي القوى المسيحية الممثلة في المجلس النيابي، وبالتحديد تكتل "التغيير والإصلاح" صاحب أكبر كتلة نيابية مسيحية، وتشير إلى أن الرجل كان يعمد دائماً إلى إستغلال هذه الحصة في معركته مع "التيار الوطني الحر"، حيث كان يسعى إلى بناء حيثية شعبية في بعض المناطق، من دون أن يتمكن من إحداث أي خرق.
وتستغرب المصادر نفسها كيف يذهب سليمان في مواقفه التصعيدية بعيداً، كما لو أنه قطب سياسي فاعل في البلاد، بالرغم من إدراكه بأن دوره سينتهي فور إنتخاب رئيس جديد، حيث لن يكون إلى جانبه أي من الشخصيات التي تدور في فلكه، لا بل هي تعتبر أن من بين هذه الشخصيات من بات يعلن صراحة أنه ليس من فريق الرئيس السابق السياسي، طمعاً بالإستمرار في الحضور بعد عودة سليمان إلى حجمه الطبيعي.
وتعتبر المصادر النيابية في قوى الثامن من أذار أن سليمان، ينفذ اليوم سياسة إنتقامية من "التيار الوطني الحر" لا أكثر، فهو يسعى دائماً إلى البروز على حسابه، عبر تعطيل المشاريع التي تهمّه فقط لا غير، من دون أي مبرر منطقي، وتقول: "السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل يقوم الرئيس السابق بذلك من تلقاء نفسه أم بالتنسيق مع القوى الفاعلة في قوى الرابع عشر من آذار، التي تريد أيضاً إقصاء العماد ميشال عون؟"
عمومًا، فإنّ الأيام القليلة المقبلة ستكشف حقيقة مواقف أغلب الأفرقاء المحليين، وستوضح عملياً أهداف الدور الذي يقوم به ميشال سليمان، خصوصًا أنّ الحيثية "المضخمة"، التي يتمتع بها، ستنتهي مع بداية العهد الجديد، حيث لن يكون له أي دور عملي، لكن ربما يكتفي في إصدار البيانات الإعلامية الدورية، التي سيكون إعلان بعبدا عنوانها الدائم، كونه يعتبره "الإنجاز" الوحيد الذي يسعى إلى الدفاع عنه.