بعد مرور أكثر من ستة أشهر على المعارك العنيفة المُتواصلة في اليمن، شهدت الحرب تغييرات ميدانيّة كبيرة، أهمّها تحوّل القوّات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، من وضعيّة الدفاع والقتال التراجعي، إلى وضعيّة الهجوم التدريجي لإستعادة المُدن والمناطق التي سيطرت عليها القوّات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ومُقاتلي "أنصار الله". فإلى ماذا إنتهت المعارك حتى اليوم، وكيف يرى المحلّلون الغربيّون مُستقبل الصراع؟
ميدانياً، لا بُدّ من التذكير أنّ بداية التحوّل الإستراتيجي للحرب في اليمن لم تبدأ في 26 آذار الماضي مع إنطلاق ما عُرف بإسم "عاصفة الحزم"، وإنمّا بدأت مع إستعادة قوّات التحالف العربي بقيادة السعودية السيطرة على ميناء عدن في 17 تمّوز الماضي. ومنذ ذلك الحين يتواصل تقدّم القوات المدعومة من التحالف العربي في أكثر من مدينة ومنطقة على حساب تراجع قوات صالح و"الحوثيّين"(1)، وُصولاً إلى المعارك العنيفة الدائرة حالياً في تعز ومأرب بعد السيطرة على باب المندب وجزيرة ميون.
وأجمع العديد من المُحلّلين الغربيّين على أنّ الأهمّ من النجاحات الميدانية لقوّات التحالف العربي، يتمثّل في تشكيل وحدات قتاليّة من اليمنيّين في أغلبيّة المحافظات، الأمر الذي شكّل قواعد ميدانية يُمكن لقوّات التحالف العربي الإنطلاق منها لشنّ هجمات إستعادة السيطرة على أراضي اليمن. وأضاف هؤلاء أنّه بسبب السيطرة الجويّة للسعودية ولحلفائها، وبسبب شنّ هجمات إستراتيجيّة الطابع(2)، فإنّ أيّ معركة غالباً ما تنتهي لصالح قوّات التحالف، كما حصل أخيراً في مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.
في المُقابل، تقاطعت آراء أكثر من محلّل غربيّ على أنّ الخبرة القتالية العالية للوحدات المُوالية للرئيس اليمني السابق، وكثرة عديد مقاتلي "أنصار الله"، جعل كلفة هجمات قوّات التحالف العربي والقوى المدعومة منه، مرتفعة. وأشار هؤلاء إلى أنّ "الحوثيّين" الذين يعرفون جيّداً أنّ موازين القوى ليست لصالحهم، بسبب القدرة الناريّة العالية لقوات التحالف التي تستفيد من غطاء جويّ ساحق، إعتمدوا منذ بداية الحرب قتالاً إستنزافيّاً شرساً، وذلك بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الإصابات في صفوف قوات التحالف المُهاجمة. ويلعب "أنصار الله" على هذا الوتر بشكل كبير، لأنّهم يعرفون أنّ عديد القوّات البرّية تُشكّل نقطة لصالحهم، حيث أنّهم قادرون على تعويض أيّ خسائر في صفوفهم بمقاتلين جُدد، في مقابل صعوبة تأمين وحدات قتالية جديدة من دول الخليج العربي للتوجّه إلى اليمن، والأهم صعوبة تقبّل أيّ خسائر بشريّة كبيرة في صفوف هذه القوات داخل دول الخليج.
وبالنسبة إلى التوقّعات المُستقبليّة، رأى المحلّلون الدَوليّون أنّ المعارك ستستمرّ في المُستقبل القريب، حيث تُخطّط قوّات التحالف للسيطرة على محافظة تعز بكاملها، لوقف عمليّات تهريب الأسلحة من كل من أريتريا وجيبوتي لصالح "الحوثيّين" وقوّات صالح، كما أنّها تأمل السيطرة على محافظة مأرب بالكامل، للإستعداد عندها لمعركة الفصل في الحرب اليمنيّة، والتي تتمثّل في الهجوم المُنتظر على العاصمة صنعاء. فسقوط مأرب بالكامل، سيسمح لقوّات التحالف بحشد وحداتها بمحاذاة صنعاء تمهيداً للمعركة الكبرى التي لها أكبر تأثير معنوي على مجمل الحرب في اليمن. في المُقابل، تسعى قوات صالح و"أنصار الله" جاهدة، لإيقاع أكبر قدر من الإصابات في قوات التحالف العربي، وذلك عبر شنّ هجمات أشبه بعمليّات "حرب العصابات"، منها هجمات حُدوديّة إنطلاقاً من محافظة صعدة التي تُعتبر معقل "الحوثييّن" في إتجاه مواقع الجيش السعودي الحدوديّة المُقابلة، على أمل أن تؤدّي الخسائر في أرواح قوّات التحالف العربي إلى دفع السعودية ومن معها، إلى وقف الحرب وإلى الجلوس حول طاولة المفاوضات.
وفي الخلاصة، وبعد نصف سنة على التدخّل العسكري العربي في اليمن، يُمكن القول إنّ "الهجمات الإستراتيجيّة" مُستمرّة من جانب قوات التحالف العربي لتغيير المُعادلة الميدانية، في مقابل إستمرار "حرب الإستنزاف" التي يعتمدها "الحوثيون" والمقاتلين الموالين لصالح على أمل وقف الحرب، وبالتالي وقف تراجعهم الميداني التدريجي. ولا مُبادرات سياسيّة بنتائج حاسمة في الأفق، حيث أنّ الكلمة ستبقى للميدان في المستقبل القريب، مع توقّع مزيد من التقدّم التدريجي لقوات التحالف العربي، بغضّ النظر عن الكلفة البشريّة التي يُحاول خصومها رفعها قدر المُستطاع بدعم كامل من إيران.
(1)إضافة إلى إستعادة السيطرة على عدن في 17 تمّوز، تمكّنت قوات التحالف العربي والقوات اليمنيّة الموالية لها من السيطرة على محافظة لحج في 4 آب، وكذلك على محافظة الضالع إعتباراً من منتصف حزيران.
(2)منها مثلاً لتأمين جسور جويّة للأسلحة والذخائر للمقاتلين الموالين لهادي، ومنها لقطع خطوط إمداد قوات صالح و"الحوثيّين".