الخوف هو أحد المكونات الأساسية للوجود الإنساني، وهو من أكبر الخبرات الإنسانية شيوعًا وانتشارًا، فالانسان تعرض في كل الازمنة لتهديدات حقيقية أو متخيّلة، ما استدعى حالة الاستشارة المتمثلة في الخوف. أما الفوبيا أو الرهاب، وهي الخوف الشديد الذي يعتبره البعض مرضًا يجب علاجه، فهو عبارة عن خوف مكثّف وغير عقلاني ناتج عن موقف معين. وكلمة "فوبيا" اغريقية الاصل وقد بدأ الاستعمال العلمي لهذا المصطلح مع مطلع القرن التاسع عشر.
"الفوبيا" حسب المختص بعلم النفس العيادي علي العطار، تأتي بحالات كثيرة ومتنوعة، فكل حالة خوف يعاني منها الانسان بشدة تكون في خانتها، كالخوف من المرتفعات، او الاماكن المغلقة، او انواع من الطعام والشراب، او الامكنة او الاشخاص او اي شيء يخطر على بال الانسان.
يعاني احمد من "فوبيا" القطط، فالقطة بالنسبة اليه هي "الوحش الكاسر"، ويقول في حديث لـ"النشرة": "منذ صغري، أخاف من القطط، وأخاول التخفيف من وطأة الأمر عبر القول أنّني أشعر بالقرف من الوبر، ولكن بالنسبة لي القطة هي الوحش الكاسر، والسبب في ذلك أنّ قطة هجمت عليّ عندما كنتُ أبلغ من العمر خمس سنوات"، ويشير الى انه يبتعد مسافة كبيرة اليوم عن اي قطة يشاهدها.
أما ميرنا، فلديها فوبيا من نوع اخر، فهي تخاف من "البالونات". وتقول ميرنا لـ"النشرة": "اكتشفت هذا الخوف منذ خمس سنوات تقريبًا، رغم انني اعمل في حضانة اطفال منذ عشر سنوات"، وتلفت الى انها لا تستطيع رؤية البالون، وتهرب إن رأت احدًا يحمله او يقوم بنفخه. وتقول ميرنا أنّها تجهل سبب هذا الخوف، ولكنها تشير الى انها تلقّت صدمتين بحياتها ابان حرب تموز وفي احداث السابع من ايار، من غير ان تعلم ما هي العلاقة التي تربط هذا الامر مع البالونات.
وبما أنّه يمكن للفوبيا ان تكون بأنواع مختلفة، فان منى تخاف الاماكن المغلقة، وان تواجدت فيها فهي تفضل أن تكون قرب الباب او النافذة: "ما اشعر به هو انني افقد تركيزي ويرتفع صوتي خلال الحديث تلقائيًا، واشعر بنوع من الاختناق".
أما خلود فخوفها سببه "البندورة"، فهي ترفض الاقتراب منها وتشعر بالقرف منها ولا تتحمل رؤية احد يتناولها، مشيرة الى ان ذلك قد لا يعتبر خوفا منها.
وهنا يشرح العطار الذي يستند الى نظريات سيغموند فرويد (Sigmund Freud)(1)، عن اسباب نشوء الخوف الشديد: "ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الخوف هو كباقي الأمراض النفسية ذو أسباب جنسية، وفرويد قسّم السنوات الخمس الاولى من حياة الانسان الى ثلاثة اقسام، المرحلة الفموية من عمر يوم الى السنة تقريبا، المرحلة الشرجيّة من عمر السنة الى ثلاث سنوات تقريبا ومن ثم المرحلة القضيبية، اي عندما يبدأ الذكر أوالانثى باكتشاف الاختلاف بأجسادهما(2)، فالذكر هنا يظن ان الانثى تعرضت للخصاء، والانثى تظن ذلك ايضا، وبالتالي يكون الخوف منه كبيرا هنا لدى الجنسين"، ويعبر لهما عن الخوف من الموت.
ويشير العطار الى ان هذا الخوف هو ما سيسبب الفوبيا في المستقبل اذ ان اي صدمة كبيرة مستقبلية قد تعيد للانسان خوفه الماضي وسيكون مسبب الخوف هو "الامر او الشيء او الشخص او المكان..." الذي يذكّره بالخوف القديم. ويضيف: "مثلا ان كان الانسان عندما احس بالخوف في طفولته متواجدا في مكان عام، فسيظهر خوفه بشكل فوبيا من الاكتظاظ، وهذا ما ينطبق على جميع الحالات".
بعد الشرح المختصر يشدد العطار أن هذا النوع من الخوف لن ينتهي دون زيارة الطبيب المختص للعودة لجذوره والتخلص منه، مشيرا الى ان هذا الامر قد يستغرق وقتا طويلا حسب نوع الخوف وقدرة المريض على التجاوب مع العلاجات.
بالاصل يعتبر الخوف نعمة كبيرة من الله على الانسان، لأنه يجعلنا متنبهين من امر ما ومستعدين لمواجهته او الابتعاد عنه، انما الفوبيا هي ابعد من ذلك بكثير وان لم تُعالج مع الاختصاصيين ستتحول النعمة الى نقمة تؤرق حياة المريض.
(1)سيغموند فرويد (Sigmund Freud) هو طبيب نمساوي تخصّص بدراسة الطب العصبي ويعتبر مؤسس علم التحليل النفسي. وهو طبيب الأعصاب النمساوي الذي أسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث، واشتهر بنظريات العقل واللاواعي، وآلية الدفاع عن القمع وخلق الممارسة السريرية في التحليل النفسي لعلاج الأمراض النفسية عن طريق الحوار بين المريض والمحلل النفسي.
(2)عقدة أوديب (Oedipus complex) هي مفهوم أنشأه سيغموند فرويد واستوحاه من أسطورة أوديب الإغريقية، وهي عقدة نفسية تطلق على الطفل الذكر الذي يحب والدته ويتعلق بها ويغار عليها من أبيه فيكرهه، وهي المقابلة لعقدة اليكترا عند الطفلة الأنثى في نظرية التحليل النفسي، وهي مصطلح أنشأه أيضًا فرويد ويشير إلى التعلق اللاواعي للفتاة بأبيها وغيرتها من أمها وكرهها لها، واستوحي هذا المصطلح من أسطوره اليكترا اليونانية ايضًا.