في وقت دخلت فيه الأزمة السورية منعطفاً مهماً، بعد التدخل الروسي المباشر على خط الحرب، من خلال الضربات الجوية التي توجهها طائرات موسكو العسكرية، بالإضافة إلى الصواريخ الموجهة التي تطلقها البوارج من بحر قزوين، لا يبدو أن محاولات تبديل المشهد من قبل الجهات الإقليمية الداعمة لقوى المعارضة السورية ستتوقف، لا سيما على صعيد إيجاد فصائل من الممكن تصنيفها بـ"المعتدلة"، بهدف الإستفادة منها في المرحلة السياسية المقبلة، خصوصاً أن المعارك لن تستمر إلى ما لا نهاية.
في هذا السياق، جاء الإعلان عن فصيل عسكري جديد يحمل إسم "جيش الشام"، يتمركز في أرياف حماه وحلب وإدلب، محدداً أهدافه في محاربة "الطغاة" و"الغلاة"، أي النظام السوري والمتطرفين، بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية عن نيتها تقديم دعم عسكري جديد لفصائل المعارضة "المعتدلة".
في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة عبر "النشرة"، أن الخطوط العريضة للمولود الجديد تؤكد أنه يحظى بدعم دولي وإقليمي كبير، لا سيما من تركيا وقطر، خصوصاً أن أغلب القيادات المؤسسة له من الأعضاء السابقين في تنظيمي "أحرار الشام" و"جبهة النصرة"، بالإضافة إلى أن البيان الثاني له، بعد الأول الخاص بالتأسيس، كان عبارة عن برقية تعزية موجهة إلى تركيا بضحايا التفجير الإرهابي الأخير.
وتشير هذه المصادر إلى أن "الجيش"، سعى منذ البداية إلى الرد على الإتهامات التي كانت توجه إلى كل من "النصرة" و"أحرار الشام"، عبر التأكيد بأن كوادره من السوريين وهدفه "حماية أهل سوريا وأرضها"، موضحاً أن "هويته إسلامية" وشعاره "علم الثورة"، بعد أن كان الحديث عن وجود مقاتلين ومتطرفين يمنع تقديم المساعدات العسكرية والمالية إلى بعض الفصائل المسلحة بصورة علنية.
وتوضح هذه المصادر أن هذا "التزاوج" بين "الأحرار" و"النصرة" هدفه الخروج من معضلة فك الإرتباط مع "تنظيم القاعدة"، الذي سعت كل من الدوحة وأنقرة إلى دفع الجبهة إلى إعلانه، وتشير إلى أن القيادات السابقة في "النصرة"، التي أصبحت اليوم في صفوف الجيش الجديد، من مؤيدي الإبتعاد عن التنظيم الإرهابي العالمي بقيادة أيمن الظواهري، وتضيف: "رفضها تطرف بعض القياديين والرغبة بالإبتعاد عن "القاعدة" هما أحد أسباب خروجهم من الجبهة"، في حين لا يبدو الإنفصال عن "الأحرار" جدياً، خصوصاً أن المعركة الأولى التي خاضها هذا "الجيش" كانت بالإشتراك مع الحركة ضد مواقع تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي.
وفي حين أعلن "الأب الروحي" للتشكيل الجديد، أبو العباس الشامي، أن الهدف "توحيد المجموعات المقاتلة الصغيرة، غير المنضوية تحت راية فصائل كبرى"، تحدثت المصادر المراقبة أن الأمرة ستكون لـ"أحرار الشام"، بصورة علنية أو غير علنية، مشبهة الوضع بالذي حصل مع "جيش الفتح" في محافظة إدلب، حيث كان الواجهة التي حصلت فيها المعركة بدعم إقليمي ودولي، قبل أن يتضح أنه ليس إلا صورة عن تجمع تسيطر عليه "النصرة"، باعتراف زعيمها أبو محمد الجولاني، الذي أكد أن أحداً لا يستطيع طرد الجبهة من "الفتح" لأنها تشكل رأس الحربة فيه، وتشدد على أن الأمر سيتكرر في المرحلة المقبلة في حال حصول "جيش الشام" على مساعدات خارجية.
على صعيد متصل، تشير هذه المصادر إلى أن المولود الجديد سوف يعمد، في الفترة المقبلة، إلى توحيد الكتائب والفصائل الصغيرة، خصوصاً تلك التي كانت تابعة لـ"الجيش السوري الحر"، من دون الدخول في مواجهة مع أي من الفصائل الكبرى، باستثناء "داعش"، بهدف عدم اثارتها ضده، لكنها ترى أن المعضلة الأساس التي سيواجهها ستكون موقف "النصرة"، خصوصاً أنها لم تتردد في السابق بمواجهة بعض الفصائل والكتائب التي إتهمتها بـ"العمالة"، وتسأل: "ماذا سيكون موقفها من "جيش الشام" الذي لا يبدو الهدف منه إلا شق صفوفها؟"، لتشير إلى أن جميع المعلومات توحي بأن الصدام بين الجانبين أمر مفروغ منه، خصوصاً أن قياديي "جيش الشام" هم ممن يعتبرون أن قيادة "النصرة" الحالية لا تختلف كثيراً عن قيادة "داعش"، ويوجهون لها الإتهامات منذ وقت طويل بـ"الغلو" و"التطرف".
في المحصلة، دخل المولود الجديد الساحة السورية بطريقة مثيرة للجدل، لكن وحدها الأيام المقبلة من سيشكف مصيره، لا سيما على صعيد احتمال حجز موقع في المعادلة السياسية المستقبلية.