أيام قليلة وتأتي ذكرى "عاشوراء"، هذه الذكرى التي رسمت طريق الحق في وجه الباطل، وطريق العدل مقابل الظلم، ولكن مع تقدم الزمن، تفقد هذه الذكرى القليل من "مغزاها" لدى فئة شبابية معينة من المسلمين الشيعة، بحيث ينتظر هؤلاء "عاشوراء" من عام الى آخر لإطلاق "موضة عاشورائية" جديدة، ولعل ابرزها هذا العام "الإحياء الفايسبوكي"، وعباءات "313".
قد يكون "الفايسبوك" احد اهم مسارح التعبير اليوم، وذكرى عاشوراء أُدخلت الى هذا الميدان الى جانب قضايا أخرى، ولكن لدى فئة معينة فإن "عاشوراء" غير موجودة سوى على صفحاتهم الفايسبوكية، في الوقت الذي يكون فيه إحياء هذه المناسبة أبعد من الفايسبوك بكثير. وهنا يشير علي وهو أحد طلاب الحوزات الدينية، الى ان فئة من الشباب ستتسابق نحو الفايسبوك في اول ايام عاشوراء لوضع الشعارات والصور العاشورائية، وهذا أمر صحي لأهمية وسائل التواصل الاجتماعي في العالم، ولكنهم في المقابل لا يحضرون "مجلس عزاء" واحد، ولا يساهمون حتى بإطعام الفقراء او "خدمة" المجالس العاشورائية، لا ماديا ولا معنويا، ولا يشاركون بالمسيرات، ولا يتابعون المحاضرات التي تُعَرّف بالحسين وثورته، ولا يساهمون بنشر فكر عاشوراء وقيمها وأهدافها، معتبرا ان هذا الامر يُظهر مدى قلة وعي هؤلاء لحقيقة هذه المناسبة العظيمة.
وفي هذا السياق يرى محمد زناتي أن "لعاشوراء معان سامية فهي تمثل ثورة الحق كله في وجه الباطل كله"، معتبرا ان هذه المناسبة ليست للشيعة وحدهم بل لكل الاحرار لانها تمثل ثورتهم في وجه الطغاة، منتقدا "من يريد ان يحوّل عاشوراء الى ذكرى جامدة تقتصر على الشعائر الروتنية واعتبارها موسما تجاريا مربحا لتجار الدين والموضة الذين يستغلون الذكرى لجني المال".
ولكن "الموضة" الابرز في عاشوراء هذا العام هي "عباءة 313" ، ومعروف في الاوساط الاسلامية عموما والشيعية خصوصا معنى هذا الرقم، فهو "يرمز الى عدد أصحاب الامام المهدي الذي سيظهر في نهاية الزمان"، وهذه العباءة التي أصبحت موجودة في الاسواق اليوم هي التشويه الاخطر للذكرى الحقة ومعناها الحقيقي، فالتعبير عنها لا يكون باللباس ولونه أو بـ"إرخاء" اللحية لدى الشباب كتعبير عن الحزن، أو حتى بلون "طلاء الاظافر" الذي يبدو هذا العام متجها نحو الاسود، حيث تقول نور جانبيه: "كنت في صالون التجميل الاسبوع الماضي ولفتني قول احداهن للمزيّن "اريد اللون الاحمر على أظافري لانني بدءا من الاسبوع المقبل سأستعمل الوان الباستل (اي الالوان الفاتحة وليس الفاقعة)".
بالنسبة لنور فإن ذكرى عاشوراء هي "مناسبة دينية بحتة والتعامل معها يجب ان يكون بطريقة تليق بهذه المناسبة التي تستوجب منا الابتعاد قدر الامكان عن "الفرح" والتمعن بها داخليا". كذلك ترى عبير ابراهيم ان " عاشوراء ليست للشعارات والبكاء على أهل البيت فقط، فالامام الحسين هو سيد احرار، وذكرى عاشوراء هي العطاء والتضحية والصبر والايمان، ورفض الظلم والذل، وليست للمظاهر او للذين فهموا الامام الحسين بطريقة خاطئة"، منتقدة من يرى بالمناسبة فقط حدثا يساعده على الظهور وتمضية الوقت.
خرج الامام الحسين لطلب الاصلاح في أمة جدّه النبي محمد، وسطّر في كربلاء ثورة عابرة للزمن لتكون درسا في الحرية والانتفاض على الظلم ورفض الاستكبار، وبالتالي فإن إحياء هذه الذكرى يكون بالعودة الى قيم وتعاليم الامام الحسين، لا بنوع الملابس أو بتغيير صورة "البروفايل" على الفايسبوك.