«لكل غيبة عودة». بهذا «الموّال» يُمنّي أنصار الرئيس سعد الحريري أنفسهم مع كل يوم إضافي يعيشه «قائدهم» خارج البلاد. لا تُفارقهم الرغبات ولا الآمال بأن المستقبل أفضل، وأن ما يحصل منذ فترة ليس سوى سحابة صيف عابرة. ليس لدى أي منهم تصور واضح لما سيكون عليه وضع التيار في المقبل من الأيام. لكنهم يتشاطرون الهواجس مع ما يتردد عن تجاهل المملكة العربية السعودية لوضع الحريري وسنّة لبنان.
حتى أول من أمس، كانت الرواتب والمستحقات (المجمّدة منذ سبعة أشهر) هي الحديث الوحيد الذي يتبادله موظفو مؤسسات الحريري، حتى كادت «خنقتهم» المالية تنسيهم فرضية «رجوعه». ولكن، ما إن نقلت صحيفة «الأنباء» الكويتية، الإثنين الماضي، أن «الحريري أبلغ قيادات في فريق 14 آذار أنه سيعود قريباً إلى بيروت، وستكون له فيها محطّة طويلة قبل الميلاد، وأن الأزمة المالية تتجه نحو الحلحلة قريباً»، حتى استفاقت الحاجة إلى هذا الظهر الحاضر للدعم في أي وقت، وغاب السؤال عن موعد «القبض» ليحلّ محلّه الاستفسار عن موعد العودة! فما هي صحّة المعلومات التي تداولتها الصحيفة؟ وهل فعلاً بُلغت القيادات الآذارية بعودة قريبة للحريري؟
روايتان غير مثبتتين داخل تيار المستقبل، لا تؤّكدان ولا تنفيان معلومات الصحيفة الكويتية. إحداهما (كما وصلت إلى مسامع كوادر في التيار) تنقل كلاماً من المملكة يتحدّث عن «سيولة مالية ستصل إلى المؤسسات الزرقاء قبل نهاية الشهر الجاري لتحلّ معها الأزمة المالية المتفاقمة منذ أشهر». وأخرى، تقول مصادر بارزة في التيار إنها «الفرضية الأقوى»، لأن من نقلها شخصيات التقت الحريري في باريس أخيراً، وهي الرواية المطابقة لما نقلته الصحيفة الكويتية. إذ أكّدت هذه الشخصيات أن الحريري أكد أمامها «وجود وعود سعودية أكيدة بمساعدته مالياً، وأنه عائد بعد الميلاد، وفي جعبته الكثير من السيولة الكافية لسدّ كل العجز وتغطية النفقات في مراحل لاحقة». وأشارت كذلك إلى أن «عودته هذه ستكون طويلة، وربمّا دائمة لن تقطعها إلا سفرات عمل أو دعوات سياسية من الخارج». «بأمانة»، تنقل المصادر نفسها ما وصلها من أجواء، من دون نفي أو تأكيد، ولا سيما أن «لا أحد يضمن تبدّل الظروف الأمنية والسياسية داخل البلاد». وربما، لأنها باتت تعيش على قاعدة «لا تبالغ بالأمل حتى لا تُصاب بالصدمة»!
يدفع ذلك إلى السؤال عن سبب استفاقة المملكة الغارقة في وحول اليمن وسوريا، فجأة، على إعادة تعويم «طفلها المتروك منذ مدّة» سياسياً ومالياً؟
كلّ ما يتردد عن تخلّي الرياض عن الحريري لا يأخذه مقرّبون من الرجل على محمل الجدّ. يؤكّد هؤلاء أن «القرار السعودي يعود إلى أن الأزمة المالية كبرت إلى حد لم يُعد ممكناً تجاهله أو تجاوزه»، مع يقين المملكة بأن «الأخطار التي بدأت تنجم عن هذه الأزمة لا يُمكن مداواتها بعلاجات نفسية، بل بحلّ عملي يشكّل حافز صمود الحريري الأول في وجه خصومه». وفي اعتقادهم «لا ينبغي أن تكون مفاجئة عودة التدخل السعودي على خط الملف اللبناني». فالمملكة «تخشى اليوم على نفسها من الساحة اللبنانية المنقسمة على نفسها إزاء الأزمتين السورية واليمنية»، وترى أنها «هي التي ستدفع الثمن مع الرئيس الحريري على الساحة السنيّة، وبالتالي لا يُمكنها أن تنسى لبنان أو أن تغلق موقعها فيه».
ومع أن كل المعلومات الواردة حتى الآن حول «المكرمة» السعودية القريبة، تشي بأن التناقض والغموض هما سيّدا الموقف، تستبعد مصادر تيار المستقبل الأنباء التي تتداولها الصالونات السياسية عن «عدم قدرة الرياض على دفع الأموال لأجنحتها في المنطقة نتيجة الحرب التي تشنّها على اليمن، والتي تُكلّف خزينة الدولة أكلافاً كبيرة، فضلاً عن أزمتها نتيجة انخفاض سعر النفط»، إذ إن ذلك لا يعني «تخلّيها عن دعمها للمعارضة السورية ولا عن وقوفها إلى جانب فريقها في لبنان».
مع قرب هذه المعلومات من الواقع أو بعدها عنه، حقيقة واحدة لا يُمكن إنكارها، هي سقوط رهان الرئيس سعد الحريري على المعارضة السورية (المعتدلة) التي لم تحُقّق له أمنيته بالعودة من طريق مطار دمشق، كما كان يروّج. هو سيعود حتماً إلى لبنان، إن كان في الميلاد أو قبله أو بعده بفترة طويلة، لكن من طريق مطار بيروت الدولي، بمال سعودي أو من دونه، وذلك لأن كل خيار من الخيارات المتاحة أمامه يُمثّل معضلة أيضاً. طول غيابه يقلب الشارع عليه. وعدم دفع المستحقات سيؤدي إلى انفجار كبير في وجهه. وبقاؤه حيث هو لم يغيّر في واقع الحال شيئاً. العودة تبقى أبغض الحلال، وثمّة من ينصح الشيخ سعد بالعودة، بـ «مكرمة» سعودية أو من دونها، لأنه «بمكوثه الطويل خارج البلاد يقطع آخر خيط اتصال بينه وبين جماعته».