في الربع الاخير من عام 1941 كانت المعارك في الحرب العالمية الثانية قد أنهكت "الجيش الاحمر". اعتقد الألمان ان بمقدورهم الوصول الى الكرملين. بالفعل كان الخوف يدب في قلوب المواطنين السوفيات، بسبب الخشية من وصول الجيش الألماني الى موسكو، لكن جوزيف ستالين خرج مطمئناً الشعب بان "الجيش الاحمر" سينتصر، معتمدا ضمنياً بشكل أساسي على فيلق عسكري كان جهّزه، يضم قوات النخبة، فاستطاع عبره إبعاد الجنود الألمان عن موسكو، وصولا الى إفشال المخططات العسكرية الالمانية ضد الاتحاد السوفياتي، ثم شن حملة عسكرية مضادة عام 1943 استعاد خلالها السوفيات بالتعاون مع الحلفاء معظم الاراضي التي كان سيطر عليها الألمان قبل عامين.

يستعيد السوريون اليوم تجربة "فيلق ستالين" في طبعة جديدة بمؤازرة الروس. في الأشهر الماضية كانت القيادة العسكرية السورية تختار قوات النخبة في الجيش و"اللجان" لتدريبهم بالتعاون مع موسكو. اساسا يستند الجيشان الى معاهدة حكومية-عسكرية بين البلدين تقضي بالمؤازرة والتدريب والتجهيز والدعم العسكري. هذا ما يحصل منذ قرابة العام بشكله المباشر.

خلال بضعة اشهر وصل عدد النخبويين المدربين الى اكثر من سبعين الف عسكري سوري، جرى دمجهم بمجموعة جديدة اطلق عليها اسم: "الفيلق الرابع اقتحام".

وفق ما توافر من معلومات فإن ​الجيش السوري​ يتصرف على اساس التوجه لتنظيم كل قواته العسكرية على اساس بنية ذاك الفيلق: مجموعات مدربة تنقسم ألوية وكتائب وسرايا بحسب الحاجة.

الأهم بحسب المعلومات، ان كل مجموعة من الفيلق تتحرك بسرعة وفق خطة الهجوم ووقائع الميدان. كل سرية تتصرف بناء على معلومات ميدانية توفرها طائرة من دون طيار خاصة بالسريّة جاهزة للتدخل عند الحاجة، مربوطة تقنياً بدبابات وقذائف وصواريخ.

تبدو المكننة والتكنولوجيا هي العنصر الأساس في رصد الهدف وتوجيه الضربات اليه إلكترونيا ربطا عبر الأقمار الاصطناعية. ما يعني عمليا الحداثة والدقة في التنفيذ.

"الفيلق الرابع اقتحام" تجربة تشبه ضمنياً "فيلق ستالين" الذي انقذ موسكو. التجربة تتكرر في سوريا ولكن حدود نتائجها لا تقف عند مدينة واحدة فقط. بحسب المعلومات، فان مهام الفيلق تتوزع الان بين أرياف حماه-ادلب-حمص بشكل خاص.

في الأيام الاولى للهجوم تعرضت دبابات الجيش السوري لصواريخ "تاو" التي اطلقها المسلحون، ما أعاق التقدم العسكري بشكل سريع، لكن تطويرا حصل لإجهاض مفاعيل وهدف الصورايخ التي تصيب الدبابات، يقضي بزيادة قطعة على كل دبابة تعيق وصول "تاو" او تعطل قدرته وبالتالي عدم إصابة الدبابة. تلك التقنية العالية الروسية يجري من خلالها تحديث دبابات t72 التي يستخدمها الجيش السوري.

وفق المعلومات فإن العمليات العسكرية الموزعة على ثماني جبهات الان: أرياف حلب وادلب وحماه واللاذقية وحمص ودمشق والقنيطرة ودرعا، سوف تتوسع لتطال الرقة في هجمات عسكرية ستزيد من إرباك المسلحين.

اضافة الى جهوزية "الفيلق الرابع اقتحام"، دفعت ثلاثة عناصر الجيش السوري لشن تلك الهجمات المفتوحة بسرعة وتحقيق تقدم فيها.

اولاً: الانهيارات التي حصلت في صفوف المسلحين، ما شجع عمليا الجيش على المتابعة للاستفادة من العامل النفسي الذي أصاب المجموعات بعد الضربات الروسية الجوية التي شلت الإمدادات ودمرت مراكز للمسلحين ومستودعات سلاح، علما ان تعاون الأهالي وتقديمهم المعلومات والترحيب بالجيش أكد بأن المعارك التي تخوضها القوات السورية سيحضنها مواطنو تلك المناطق الذين "يريدون الخلاص من قوى الامر الواقع".

ثانيا: نجح الجيش السوري بالتعاون مع الروس بضرب منظومة الاتصالات التي كانت تربط المجموعات المسلحة ببعضها. قيل ان تلك المنظومة كانت من احدث المنظومات الدولية التي يصعب تفكيكها. بضربها أصيبت المجموعات بشلل، لأن المسلحين فقدوا عاملا اساسياً في التواصل والتنسيق والقدرة على التحرك ومناورة الطرف الاخر واكتشاف مخططاته.

ثالثا: رغبة دمشق بتحقيق ضربة عسكرية ناجحة في شمال سوريا قبل حصول الانتخابات التركية، ما يربك حزب "العدالة والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. هذا ما يتحقق تدريجياً. عندها تكون سوريا أصابت هدفين، إسقاط المسلحين وبالتالي التأثير على الناخب التركي نتيجة ضرب خطة اردوغان، ما يسبب للاخير إرباكا داخليا يصل الى حد الإطاحة به تركياً من خلال الانتخابات، وهي مسألة تدركها المعارضة التركية وتنتظر تحقيقها.

وبحسب المعلومات المتوافرة في دمشق، لم تكن درعا ضمن حسابات الجيش الآن، بإعتبار ان التركيز يجري على الوسط والشمال، لكن معلومات وصلت عن استعدادت درعاوية للانقلاب على المسلحين والدخول في "تسويات أوضاع" وتعميم المصالحات. أدركت هنا القيادة العسكرية السورية ان العامل النفسي بعد تراكم التطورات الميدانية والضربات الروسية شمالا، ترك اثراً واضحاً في الجنوب. من هنا جاء اتخاذ القرار العسكري السريع بالهجوم على المسلحين في درعا والقنيطرة وبنفس الوقت مد اليد للمصالحات والتسويات. الأمران يتحققان بأسرع مما كان يتوقع الجيش السوري.

كل ذلك يوحي بأن ثمة متغيرات سورية سريعة. صار الحسم العسكري ممكناً بشكل عام تحت عنوان: القضاء على الارهاب اولاً، والدخول في اطار عملية سياسية تعكس الواقع الجديد لسوريا بعد تجاوز أصعب أزماتها.

تلك الخطوات يدعمها حلفاء دمشق ويسعون لفرضها واقعا دوليا. صحيح ان الحلف الرباعي الروسي-السوري-العراقي-الايراني يبدو وحيداً في الواجهة الان، لكن ثمة دولا عظمى أيضاً تواكب وتؤازر السوريين في خياراتهم ومعاركهم على طريقتها من دون ضجيج إعلامي.