عندما أعلن عن تشكيل غرفة عمليات بغداد لتبادل المعلومات والتنسيق العسكري، ظن البعض ان المسألة نوع من العمل لاستعراضي لرفع معنويات القوى العاملة في العراق وسورية في مواجهة الإرهاب الذي ترعاه اميركا ومعها الأدوات الإقليمية من عربية وغير وعربية.
وعندما أعلنت القيادة الروسية استجابتها للطلب السوري بتقديم مساعدة عسكرية ميدانية في مواجهة الإرهاب ظن أعداء سورية من أولئك الذين يزعمون انهم يحاربون الإرهاب وانهم انشأوا حلفا بقيادة أميركية من اجل تنفيذ المهمة، ظنوا ان الامر سيكون استعراضا كاستعراضهم وتخديرا للشعوب والدول كما يخدرونها هم بمزاعمهم الكاذبة.
لكن و كما قال الرئيس الروسي بوتين ، فان اميركا و رغم انها تملك منظومة استخبارية متقدمة و متطورة فأنها لا تستطيع ان تعرف كل شيء ، وقد تعجز دوائر «السي أي أي C.I.A « أحيانا عن معرفة حقيقة ما يجري في بقعة من العالم خاصة اذا كان الامر متصل بسلوك من هو محترف في العمل الاستخباري و يتقن فن التمويه و خداع الخصم حول نواياه و يحتفظ بأسراره ليفاجئ بها في الميدان عدوا او منافسا يكيد له ، وهكذا اثبت الميدان السوري ان من انتظم في جديا في الحرب على الإرهاب يستطيع ان يخفي ما يملك و ما يخطط و ان يحقق المفاجأة المزدوجة استراتيجيا و عسكريا .
ان العمليات العسكرية الصاعقة و التي تنفذها منظومة عسكرية متكاملة انشأها و جهزه لها و يديرها تحالف دولي جدي لمحاربة الإرهاب ، ان هذه العمليات لم تكن و ليده اللحظة او عملا عارضا ظرفيا ، بل كانت نتيجة تخطيط و عمل معمق قام به تحالف أساسه محور المقاومة الذي جذب اليه روسيا لتكون شريكا مميزا فاعلا في المعركة الدفاعية التي يخوضها هذا المحور منذ نيف و55 شهرا ، و بالتالي فان الاعلان عن غرفة عمليات بغداد كان الإشارة العلنية الأولى لقيام هذه المنظومة الدفاعية ، إشارة تلاها اعلان روسي عن تقديم مساعدة عسكرية تتمثل بالدعم الناري الثقيل الوطأة و العميق الفعالية ضد الإرهاب ، و رافق ذلك اعلان سورية على لسان رئيس اركان جيشها عن تشكيل الفيلق الرابع اقتحام للبدء بمرحلة جديدة في الحرب على الإرهاب .
بغرفة العمليات الاستعلامية ، و بالفيلق الرابع اقتحام مضافا الى تشكيلات عسكرية سبق ان اعدها الجيش العربي السوري و تشكيلات قتالية محترفة قدمتها المقاومة من لبنان إضافة الى بعض من وجود عسكري إيراني يرتبط بطبيعة المهمة ، بكل ذلك اكتمل نصاب قوى العمل البري و بالطيران و البحرية الروسية اكتمل نصاب الكتلة النارية اللازمة للانطلاق في عملية تطهير سورية من الإرهاب و القضاء على المجموعات الإرهابية التي باتت في خطرها تهدد فضلا عن سورية و العراق جميع دول الجوار وصولا الى روسيا و الصين حيث تأكد ان من بين الارهابين من يحمل جنسيتهما ما يصل الى 2000 مسلح و ان من الدول الإسلامية المستثقلة التي تجاورهما اكثر من 5000 إرهابي أيضا مستعدون للعودة من سورية لارتكاب الجرائم حتى في موسكو و بكين .
اكتمل النصاب لأطلاق الهجوم التطهيري، ولان القوة باتت في حجم مريح، فقد تغيرت استراتيجية المواجهة. و هنا نذكر بان سورية ابدعت في اعتماد استراتيجيات مواجهة تناسب كل مرحلة و طبيعة الاخطار و احجام القوى العاملة ضدها ، و تمكنت بهذا الابداع ان تفشل الخطط المعادية الواحدة تلو الأخرى بدءا بخطة الاخوان و الاقواس الثلاثة ، مرورا بخطة بندر السعودية ، وصولا الى خطة داعش الإرهابية ، و انتهاءا بخطة حرب الاستنزاف التي وضعتها اميركا منذ اشهر موضوع التنفيذ و اشاعت ان الحرب على الإرهاب ستستلزم 10 سنوات ، بما يعني ان اميركا قررت استنزاف سورية و العراق و كامل المنطقة لمدة 10 سنوات إضافية يمكن حفضها الى 3 سنوات اذا استسلمت المنطقة خلالها.
كان على الحلف المشرقي الدفاعي المتشكل من محور المقاومة و العراق و روسيا ان يواجه الخطر الإرهابي و الخطة الأميركية القائمة على قاعدة حرب الاستنزاف بخطة تجهضها ، و هذا الذي حصل و ينفذ الان ما شكل مفاجأة استراتيجية و عملانية لأميركا و لحلفائها و ادواتها ، مفاجأة -صدمة أوقعت هؤلاء بالارتباك المعطل للنظر و الفهم ، خاصة و ان في الاستراتيجية الجديدة مفاعيل جانبية إضافية تفضح نفاق اميركا و زيف ادعائها بمحاربة الإرهاب و تثبت علاقتها الحقيقة بالإرهابيين وخططها القائمة على الاستثمار بالإرهاب منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحريق العربي و تفشي الإرهاب في المنطقة .
و لنفهم الاستراتيجية الجديدة نذكر باخر استراتيجية دفاعية عملت بها سورية و محور المقاومة و هي التي كانت القيادة السورية صريحة في الإشارة اليها عندما أعلنت ان القوات المسلحة و بسبب حجم الاخطار و حجم الكتل الإرهابية المنتشرة على الأرض و بسبب اتساع بقعة العمليات فأنها ارتأت ان تعمل باستراتيجية تقوم على المفاضلة و تحديد الأولويات و الاقتصاد بالقوى ( و قد اشرنا الى ذلك في اكثر من مرة خلال كتاباتنا و حواراتنا السابقة ) و بطبيعة الحال أدت هذه الاستراتيجية الى حماية الدولة و المحافظة عليها في مراكز الثقل النوعي الاستراتيجي ما مكن من فشل العدوان في تحقيق أهدافه ، لكن أدى من ناحية أخرى الى إعادة الانتشار و التموضع و اخلاء بعض المناطق و المراكز خاصة تلك التي كانت كلفة الدفاع عنها اكثر من مردود الاحتفاظ بها.
اما استراتيجية اليوم فأنها وبسبب القوة المضافة والقدرات الجديدة التي شكلها ادخال الفيلق لرابع اقتحام وقوات حليفة إضافية ومع الدعم الناري الروسي البالغ القدرة والفعالية، ان هذه الاستراتيجية تختلف كليا عن سابقتها وهي تقوم على مبدأ الحرب الشاملة على كامل الأرض السورية، وفتح الجبهات المتعددة المتزامنة، والعمل على محاور رئيسية كلها ومتناغمة. استراتيجية لا يلجأ اليها الا مقتدر واثق من نفسه، واثق من قدرته وكفاءته للعمل على الجبهات المتعددة، وواثق من قدرته على تحقيق الأهداف المرسومة في الزمن المحدد، وواثق من امداد دائم للخطة بالقوة العسكرية اللازمة خلال الوقت المحدد. فخطة الحرب الشاملة والجبهات المتعددة هي خطة القوي القادر الواثق من قوته وقدراته.
اما النتائج المباشرة لهذه لخطة فتكون كما يعرف المختصون كالتالي: حرمان الخصم من القدرة الهجومية عبر الثقل الناري الكثيف الذي يستهدف منظوماته الأساسية الثلاث (قيادة وسيطرة وتدريب وانتقال، إدارة ولوجستية) عبر منعه من التحشد والتجهيز والتدريب، ثم دفعه الى القتال الدفاعي التراجعي، ثم إلزامه بالقتال الموضعي الفاقد للإسناد المتبادل، وصولا الى اقتياده الى أحد الانهيارين الميداني او الادراكي او كليهما معا.
وعلى هذا نقول دخلت سورية والمنطقة معها مرحلة الحرب الاجتثاثية ضد الإرهاب، وهي مرحلة لن تكون مدتها بالسنوات كما هولت اميركا، بل ان الأشهر المعدودة ستكون كافية لإنجازها سواء تطابقت مع الأشهر الأربعة التي ذكرها بوتين او زادت عنها او نقصت بعض الشيء، فالمهم فيما بدء انه بداية نهاية الإرهاب وتأكيد سقوط المشروع الصهيو أميركي الذي يستثمر به.