اول طبخة تسووية نووية بين الأميركيين والإيرانيين، أعدّها منذ اكثر من ست سنوات وزير خارجية سلطنة عُمان يوسف بن علوي. كان يومها مجرد التفكير بفتح قنوات تواصل مباشر بين واشنطن وطهران اشبه بالحلم. تمايزت مسقط عن سائر دول الخليج. موقعها الجغرافي وهويتها الدينية الإباضية(1)غير المصنّفة في اطار السباق المذهبي المركّب بين السنة والشيعة، وقدرة المسؤولين فيها وتحديدا السلطان قابوس بن سعيد ووزير خارجيته على لعب دور الجمع وتقريب المسافات على مستوى العواصم، والثقة العالمية بقدرة العمانيين على ادارة التفاوض الدبلوماسي المرن والمنتج من دون ضجيج إعلامي او استعراضات سياسية، وطبيعة علاقة السلطنة المميزة مع الأميركيين، كلها عوامل ساهمت في ان تلعب مسقط دور الوسيط بين العواصم المتباعدة لإستيلاد الحلول.
منذ بضعة اشهر حصل لقاء بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم وبن علوي. كان السوريون راضين عن دور مسقط التي لم تقاطع دمشق دبلوماسيًا ولا سياسيًا. في عزّ الحملة على سوريا بقيت السلطنة تترقب عن بعد. ما ان لاحت بوادر دولية مختلفة جراء القلق من تمدد الارهاب حصل لقاء بين المعلم وبن علوي. كانت الظروف مختلفة عما هو الوضع الآن. كان وضع "النظام" أصعب. لم يكن الروس تدخلوا حينها في لعبة الميدان السوري. كان الأوربيون ودول خليجية يرفعون الشروط. كانت القاهرة لا تريد ان تغضب الرياض. الآن تغير المشهد الميداني والسياسي. فتحت موسكو من موقع القوة باب التفاوض السياسي. واشنطن بدت مهتمة عملياً، فجاء تحرك وزير خارجية عمان نحو دمشق. فماذا حمل معه؟
لا يمكن التكهن بتفاصيل ما احتوته جعبة بن علوي. عادة يلتزم الصمت في كل مساعيه. لكن مبادرة رصينة يسوّق لها تلوح في الأفق على قاعدة محاربة الارهاب والتدرج في الحل السياسي السوري.
لا يمكن فصل وساطته عن موافقة أميركية حتمية مسبقة حول دور عماني في سوريا. لذلك زار بن علوي دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الاسد. ولم يخف الجانبان الحديث عن الطرح السياسي لحل الازمة، علما ان الاسد كرر القول ان مكافحة الارهاب أولوية ومدخل طبيعي للحل السياسي. ما قاله الرئيس السوري في موسكو ثابت لديه من دون تعديل.
الحل يقوم على اساس ضرب الارهاب و تعديل الدستور وإجراء انتخابات نيابية ثم رئاسية خلال فترة قد تمتد الى ثمانية عشر شهرا، بحسب ما يطرح من أفكار.
القضية أبعد من تلك العناوين. من هي المعارضة التي ستشارك بالتسوية؟ ماذا عن مصير سلطة الرئيس السوري؟ هل يشارك بالانتخابات كغيره؟ ماذا عن التعديل الدستوري؟ ماذا عن الجيش والأمن والحكومة الجامعة؟
مجرد زيارة وفد من "الجيش الحر" الى موسكو وزيارة بن علوي الى دمشق، يعني ان الكفة تميل لصالح "النظام السوري". لو كان موقفه ضعيفا او هشاً، لم تكن دمشق وموسكو مقصداً. كانت ستحل عواصم اخرى. من هنا يكمن التفاوض مع الاسد وليس التفاوض عليه.
يقول مراقبون ان الحديث بدأ عن التسوية المرتقبة بالأسماء الى حدود ان الروس يؤيدون طرح قدري جميل رئيساً للحكومة. الجيش والامن ضمن الخطوط الحمر ولا اقتراب منهم. لا مساس بالتركيبة ولا بالدور. هذا ما تدعمه مصر أيضاً رغم الإرباك الحاصل مع السعودية إزاء تصرفات القاهرة في مغازلة "النظام السوري".
الأهم ما يتعلق بقضايا استراتيجية حول الاستثمارات والإعمار والغاز في البحر. هل تتفرد روسيا بترجمة حلفها مع دمشق بالحصول وحدها على امتيازات اقتصادية استثمارية في سوريا؟
ماذا عن الحدود الجنوبية؟ هناك من يقول ان تل أبيب ضغطت على موسكو لفرض "محادثات سلام جديدة" مع دمشق تتيح لها شرعنة احتلالها وتحييد السوريين عن اي دور في مقارعة اسرائيل بطريقة غير مباشرة كدعم المقاومة او فتح الحدود في الجولان. روسيا وعدت الإسرائيليين بعدم السماح لسوريا بتوتير الحدود او تشكيل خطر مستقبلاً على اسرائيل.
كلها عناوين قيد الدرس في ظل تسويق الأفكار. قد تكون هناك زيارات اخرى لبن علوي الى دمشق او لآخرين. روسيا فتحت الخطوط الدولية وفكت الحصار السياسي الذي كان مفروضًا منذ سنوات على سوريا.
فما هي الصفقة الرصينة التي سينتجها بن علوي؟
ما يهم بالنسبة لدمشق اولا استعادة الأمان المرتقب في المرحلة الاولى من درعا الى حلب. عندها بإلامكان اجراء استفتاء وانتخابات وإنتاج حياة سياسية كاملة. الأمان يعود بالقضاء على الارهاب. هذا جوهر ما يطرحه الاسد وباتت تتفهمه العواصم.
(1)الإباضية هي أحد المذاهب الإسلامية المنفصلة عن السنة والشيعة، سميت بهذا الاسم نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي، بينما ينسب المذهب إلى جابر بن زيد التابعي، الذي كان من تلامذة السيدة عائشة وابن عباس.
وينتشر7 ملايين تقريبا ينتمون للمذهب الإباضي يتوزعون على 4 دول عربية في سلطنة عُمان حيث يمثلون ما يقارب 70% من العُمانيين وفي جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا ووادي مزاب في الجزائر وجربة في تونس وبعض المناطق في شمال أفريقيا وزنجبار.