تُطرَح في المسار المؤسساتي لمجلس النواب، من حيث هو ركيزة الإستقرار الدستوري في البلدان الديمقراطية، فكرة رئيسة في فلسفة التشريع ووظيفته، هي عملية الإستمرار في ممارسته دوره التشريعي والرقابي الناظم لعمل المؤسسات وإنتاجيّتها، مهما كانت الظروف والاحوال التي تمرّ فيها البلاد، خصوصاً في الأوقات الدقيقة والحالات الإستثنائية التي يمكن ان تمرّ بها البلاد في زمن الأزمات والنزاعات الداخلية والحروب الخارجية، التي تؤثّر على صحّة وسلامة العملية الإنتخابية، التي تضمن إستمرار عمل المجلس، وتؤمن ديمومة التشريع في كلّ الظروف ومختلف الحالات، مهما كانت صعبة وشائكة.
وتنطبق هذه الحالة الدستورية الموصوفة على واقع وعمل البرلمان اللبناني، الذي عرف خلال مسيرته التشريعية، وعمله التمثيلي للشعب في السلطة، تطورّاتٍ سياسية وأمنية تركت آثارها أحياناً على كلاسيكية عمله، مما حتّم على رئيس المجلس والمسؤولين في مكتب المجلس واللجان والهيئة العامَّة، إتخاذ مبادرة طرح فكرة التمديد القانوني والموقّت لولاية المجلس، خوفاً من حدوث فراغٍ على مستوى التشريع، والوقوع في مأزقيّة إختلال عمل المؤسسات، وعدم إنتظام هرميّة السلطات وتكامليّة عملها.
إن الظروف القاهرة التي تفرض على رئاسة المجلس طرح موضوع التمديد الإستثنائي للولاية في حدود مقبولة تحمل في طيّات معانيها موضوع ومبدأ ديمومة عمل المجلس، ووجوبية إستمراريًته في تحمّل مسؤولياته والقيام بواجبه كاملاً في كل الظروف والاحوال. وهذا ما تمّ التوافق عليه مرّاتٍ عدّة، في سبيل تأمين الإستقرار التشريعي وتوازن الحياة الديمقراطية، وهذا مبدأ صحيح وخطوة واجبٌ إتخاذها في الظروف المماثلة، كي لا تقع البلاد في فخّ الفراغات الدستوريةً المُحتملة الوقوع.
وإذا كان الدستور اللبناني لحظ في مواده آلية تشكيل الحكومات، وطريقة عملها، منذ مرحلة الإستشارات النيابية الملزمة، الى مرحلة إعداد البيان الوزاري ونيل الثقة، وكيفية وظروف إستقالتها، أو إعتبارها مستقيلة، ثمّ تصريفها للأعمال في الإطار الضيّق، والذي يؤمن سير مرافق الدولة ومصالح الناس، فإنّ المشرّع لم يرتقبْ ابداً حالة وقوع شغور في مقام رئاسة الدولة، وإنعكاس ذلك على سلامة وإنتظام عمل السلطات، وبالتالي فإن خلوَّ النصوص الدستورية والتنظيمية لعمل مجلس النواب من أيّ إشارة تلحظ وجوبيّة قيامه بدوره كاملاً، في حالة العجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية ضمن فترة محدّدة، تحتِّم عليه لزوماً أن لا يبقى فقط هيئةً ناخبة، بل ان يستعيد دوره التشريعي، الى جانب دوره الإنتخابي، وَلَوْ في حدود ضيّقة، وذلك مخافة الوقوع في الفراغ التشريعي الذي يولِّد خطراً مباشراً على الهيكلية الدستورية للدولة ومؤسساتها.
فهَلْ يُعْقَلُ ان تستمرّ الحكومة بتصريف الاعمال، تأميناً لسير المرفق العام وتسييره، ضمن حدود محدّدة دستورياً، في حين يبقى مجلس النواب معطّلا وأسير عملية إنتخاب رئيس للجمهورية؟
وماذا لَوْ ان المجلس إنتهت مدّته، ووقع الفراغ، على مستوى رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب؟
فهل تبقى الحكومة، في ظلّ وضعية تصريف الاعمال، مطلقة الصلاحية ومن دون سلطة رقابية على أعمالها، ولو بحدّ التصريف؟
ثُمَّ، لماذا الإمعان في عملية شدِّ الحبال بين الكتل النيابية، في موضوع حقّ المجلس بالتشريع، بعد تحوّله هيئةً ناخبة؟
وهل من ذكرٍ في دساتير الدول، لأي حالة شبيهة، وكيف يتمّ التعامل مع هذه الوضعية، إذا ما إستمرّت أزمة إنتخاب الرئيس، وتعطّلت اعمال المجلس؟
وعليه، فإن ممارسة المجلس لدوره الانتخابي ووفق الأصول المرعية، لا يمنع عليه قانوناً القيام بدوره التشريعي، في الإطار الضيّق، إستجابة لواجب التشريع.
إن مفهوم تشريع الضرورة يتوافق من حيث المنطق الدستوري مع مفهوم تصريف الاعمال. وهذا ما سيجعل اعمال المجلس تتكامل وتتفاعل مع منطق الضرورة، التي تفرض نفسها حلّاً مؤقتاً لتسيير عمل الحكومة، خارج الضوابط القانونية.
ومن البديهي ان تجري الامور لما فيه مصلحة البلد والنَّاس وإستمرارية المؤسسات، وذلك على قاعدة متوازية، تؤكّد حق الحكومة بتصريف الاعمال،
وتؤكد حق مجلس النواب بالتشريع الإستثنائي، أو تشريع الضرورة، كي لا يقع البلد في فراغات مترابطة، تترك آثارها على صورة لبنان ومستقبله ودوره .