حتى اليوم، لم يتّفق اللبنانيون بسبب خلافاتهم السياسية على تدوين تاريخ لبنان، كل فريق يرى الاحداث من وجهة نظره، غير ان الصيداوي شفيق طالب يخالف كل هؤلاء، ويؤرخ تاريخ لبنان الحديث من خلال طوابع بريدية إنفرد بجمعها منذ عقود طويلة، حتى بات يعتبر اليوم واحدًا من أهمّ الذين يملكون أكبر مجموعة طوابع وبطاقات بريدية في العالم، قوامها أكثر من خمسين ألف بطاقة بريدية من 45 دولة، ومن بينها المجموعة اللبنانية كاملة بدءًا من العام 1924 تاريخ إصدار اول طابع بريدي رسمي وحتى اليوم، والتي تضم نحو 400 أصدار، أي 2100 طابع بريدي.
هواية طالب (77 عاما) بجمع الطوابع انطلقت منذ 44 عامًا، لكنّها كانت تفتقد الى التنظيم والاصح التوجيه والارشاد، الى أن "اهتدى على الطريقة الصحيحة"، كما يقول، مضيفاً: "أخذت أجمعها على أصولها وفق التسلسل الزمني لصدورها في الدول العائدة اليها، على إعتبار أن أهمية الطابع وقيمته تكمن في تشكيل مجموعة متكاملة وليس في التسلسل الزمني فقط".
بات طالب اليوم بعد كل هذه العقود من الزمن وبجهود حثيثة لم تتوقف رغم كل الاحاث السياسية والامنية التي عصفت بالمنطقة برمتها، يملك مجموعات متكاملة لعدد من الدول العربية مثل لبنان وسوريا وفلسطين والكويت، ويوضح أنّه يجمع الطوابع وفقا للدول وليس للتواريخ، "فهناك أناس كثر يجمعون الطوابع كهواية ولكنهم لا يملكون المجموعات الكاملة وهذا هو الفرق".
المجموعتان اللبنانية والفلسطينية
يؤكد طالب أنه يملك المجموعة اللبنانية كاملة، منذ أول إصدار في عهد الانتداب الفرنسي عام 1920، حيث كانت الطوابع فرنسية ولكنها موشحة بإسم "لبنان الكبير"، ثم في العام 1924 تاريخ إصدار أول طابع بريدي رسمي بإسم بريد "لبنان الكبير"، بالاضافة الى إصدارات فترة الاستقلال والعهود الرئاسية المتعاقبة حتى اليوم، ويشير إلى أنّ المجموعة اللبنانية تتميّز خصوصاً بتوثيق منظم للأحداث والشخصيات التي تؤرخ لها الطوابع البريدية، لافتاً الى "ان لبنان كان يصدر سابقا طابعا جديدا كل عام وأكثر وفق الاستهلاك البريدي، أما الآن فبات يصدره كل ستة أشهر وعند الاحداث الهامة مثل إنعقاد المؤتمرات الدولية والاقتصادية والمناسبات الوطنية والدينية والثقافية".
والى جانب المجموعة اللبنانية، يحافظ طالب باعتزاز على ذاكرة فلسطين من النسيان عبر المجموعة الفلسطينية كاملة، منذ نظام البريد في فلسطين عام 1840 أي منذ أيام العثمانيين الى يومنا هذا. لديه طوابع كل عهد ومرحلة زمنية، كيف كانت الطوابع تحكي فلسطين الثورة والنضال والنكبة، على أن الابرز في المجموعة هذه، هو إقتناؤه لجميع الطوابع التي أصدرتها الدول العربية عن فلسطين والتي تؤرخ لأحداثها مثل مذبحة دير ياسين، إحراق المسجد الاقصى، الانتفاضة، إستشهاد محمد الدرة، إقامة السلطة الفلسطينية، وعام اللاجئين.
مناسبات ومعارض
والى المجموعتين، شارك طالب في الكثير من المعارض العربية والدولية، بداية عام 1995 في خان الافرنج في صيدا برعاية النائب بهية الحريري، وعام 1996 عرض المجموعة الكويتية برعاية رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري بمناسبة تنظيم الاسبوع الثقافي الكويتي في بيروت، عام 1999 عرض مجموعة نادرة من الطوابع الفرنسية واللبنانية بمناسبة مرور 300 سنة على العلاقات الفرنسية اللبنانية بالاشتراك مع المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، عام 2000 عرض المجموعة اللبنانية الكاملة بمناسبة العيد 57 للاستقلال بالاشتراك مع معهد "غوته" في بيروت، عام 2001 صدر له كتاب "لبنان في طوابعه"، وعام 2002 نظم بالاشتراك مع هدى طالب سراج معرضًا بعنوان "مشاهير في طوابع الدول الفرنكوفونية" بمناسبة إنعقاد القمة الفرنكوفونية التاسعة في بيروت برعاية الحريري ورئيس وزراء كندا جان كريتيان، عام 2004 نظم بالاشتراك مع هدى طالب سراج معرضا بعنوان "التربية والرموز الثقافية في الوطن العربي" في مدينة صيدا بمناسبة العيد 125 على تأسيس "جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية" برعاية الحريري وعام 2006 عرض مجموعة الطوابع اللبنانية الكاملة في مركز الاتحاد البريدي العالمي في بيرن ـ سويسرا في أول إطلالة عالمية وحمل عنوان "لبنان بطوابعه".
وقد شارك طالب في هذه المعارض إسهاما في نشر ثقافة الطابع وقربها الى الجمهور، اذ يقول "أن الطوابع أهم وثيقة رسمية تصدر عن الدولة وزائر معارضها أو متاحفها يقرأ تاريخ البلد وحضارته وثقافته والاحداث الهامة فيه وفق التسلسل الزمني"، مضيفا "الهدف من إقامة المعارض ليس تجاريا أي الربح المادي، إنما نشر ثقافة الطابع الذي يحكي التراث وإظهار وجه البلد الحضاري"، مشيرا ان "الأمر يحتاج الى الرغبة الحقيقية والى الجهد والوقت والمال إذ لا يقوى عليه الا ميسور الحال، وخاصة إذا قرر ان يشترك في البريدي دوريا ليحصل على كامل المجموعات".
ويرفض طالب توصيف أغلى وأرخص طابع، ويؤكد "أن القيمة المعنوية والمادية تتفاوت بين طابع وآخر، ليست قيمة الطابع في نوعه أو فترته الزمنية على أهميتها، إنما عن الحدث الذي يحكي عنه، ووجوده في السوق أي كثرته او ندرته"، ويلفت إلى "انه لا يميز بين طابع وآخر، لان قيمته المعنوية في نهاية المطاف إبراز الوجه الثقافي له"، بيد انه يستدرك قائلاً: "قد يكون لبعض الطوابع مكانة خاصة للانسان نظرا لارتباطه بحدث يعني له دلالة، فأنا أعتز بطوابع إعادة إعمار وسط بيروت لانه كان أهم مشروع في الشرق الاوسط، وطابع ذكرى إغتيال رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري الذي اعتبره من الاصدارات اللبنانية الهامة لانه يؤرخ لجريمة بشعة حاولت إغتيال كل لبنان".
المتحف.. الحلم
ولا يخفي طالب حلمه بإقامة متحف وطني خاص بالطوابع في صيدا، لانه "يحافظ على التاريخ والتراث ويقوي الهواية عند جيل الشباب ويحث السواح على زيارة المدينة، فهؤلاء يحتاجون الى مادة مشوقة للقدوم، والطوابع هواية راقية تروي التاريخ والتراث والثقافة بطريقة حضارية جدا"، ويقول: "كنت من أوائل الناس الذين دعوا الى إقامة متحف وطني خاص بالطوابع في المدينة على غرار ما هو حاصل في الدول الراقية، فأهمّ دول العالم مثل المانيا وكندا وأميركا وفرنسا وبريطانيا لديهم متاحف خاصة عن الطوابع يعتزون بها لانها تحكي تاريخهم".