شكل تحديد رئيس مجلس النواب موعدا للجلسات التشريعية مفاجأة نظرا للسجال الدائر حولها وتمسك كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بعدم المشاركة فيها اذا لم تدرج على جدولها كل من قانون استعادة الجنسية وقانون الانتخابات النيابية وصرف اموال البلديات الذي يتمسك به العماد ميشال عون. وتكمن مفاجأة بري بأن كل من التيار والقوات المصممين على عدم المشاركة في حال عدم تلبية مطالبهما لكنه اصر عليها انطلاقا من عوامل عدة لها صلة بقرارات تتعدى تشريعات ذات صلة بتمويل البنك الدولي لعدد من المشاريع بل لكون عدة هيئات دولية تطالب باقرار تشريعات لها صلة بتبييض الاموال ونقلها وتحديد قيمتها حتى ان وزير الداخلية نهاد المشنوق ارسل الى بري كتابا تضمن جملة انذارات وجهتها مراجع نقدية ودولية الى الحكومة اللبنانية لها صلة بالرقابة على الاموال المنقولة بهدف ضبط ما يستعمل منها في اعمال ارهابية او تبييض في مجالات اخرى، اذ على الدولة اللبنانية ان تبت بها قبل الـ15 من كانون الاول المقبل والا تندرج في سياق الدول المارقة وينقبض التعاطي الاقتصادي معها، بما يحمل ذلك من تداعيات على الداخل اللبناني على اكثر من صعيد ولأن الموضوع اخذ طابع تأمين الميثاقية للجلسة النيابية من زاوية ضرورة حضور التيار الوطني الحر او القوات اللبنانية نظرا لتمثيلهما المسيحي اذا ما تعذر مشاركتهما معا لاعتبارات لها صلة بمواقفهما فان ذلك شكل انزعاج عدد من النواب المسيحيين في غير احزاب موزعة بين 8 و14 آذار عدا عن بعض من المستقل داخل هذه المحاور بحيث بات هذا الكلام عن الميثاقية يشكل استفزازا لهم لناحية التشكيك لتمثيلهم المسيحي بما سيدفع بهم للمشاركة بعد اتساع دائرة المطالبة بحضور التيار او القوات لتأمين المصداقية، وكأن هؤلاء العاتبين من النواب هم دخلاء على «المسيحية» او أبناء الساعة في الحياة السياسية.
وفي ظل ما أوجدته الميثاقية من ازمة مسيحية حتى داخل صفوف هذا الوسط فان بعضهم يردد بان مرسوم استعادة الجنسية لا يحمل الا مزايدة ولن يشكل رفدا للبيئة المسيحية الا بعدد يسير، هذا اذا ما تابعت الاحزاب الموضوع بعد اقراره لناحية اعادة وصل الذين استعادوا الجنسية بوطنهم الام سياسيا اكثر من ربطهم تراثيا، مستشهدة بالمجهود المادي والبشري الذي وضعه رئيس المؤسسة المارونية للانتشار الوزير السابق ميشال اده في هذا الحقل على مدى سنوات لدى تأسيس فريق من هذه المؤسسة لمتابعة هذا الملف ميدانيا في دول الاغتراب، وبالتنسيق احيانا مع الكنيسة وبعض القنصليات ولكن لم يلق الموضوع تجاوبا نظرا لما يحيط بالمسيحيين من قلق على المصير لم يبدده الوضع الراهن للحضور المسيحي في الدولة في ظل الدور المسيحي الضعيف سياسيا نتيجة التباينات وما رافق الامر من ازمات سياسية واقتصادية لا تشجع هؤلاء على ترجمة حنينهم الى لبنان في الاستحقاقات بهدف التوازن. عدا عن ان هذا القانون في حال اقراره يكمل هؤلاء النواب من شأنه ان يفتح شهية الطوائف المحمدية على استجلاب عائلات لبنانية في البقع المحيطة من لبنان غادرته في الزمن ذاته الذي غادرته العائلات المسيحية الاخرى وفق صيغة قد تعزز عدم التوازن الديموغرافي وتعيد الى الواجهة موضوع العبادية في لبنان.
اما في ما خص قانون الانتخاب لدى هؤلاء انطباع بان التيار والقوات طرحاه في الوقت الضائع رغم حاجة البلاد اليه خصوصا ان القوى الحليفة لكل منهما عدلت في تفاهمها الذي اسسته يومها معهم، اضافة الى عدم وجود رؤية موحدة حول صيغة نهائية لهذا القانون من جانب فريقي ورقة النوايا، في حين تكمن المعضلة الكبرى في استحالة اقرار مجلس النواب لصيغة نهائية لكون قانون الانتخاب من شأنه ان يرسم مشهد التوازنات في السلطة مستقبلا وعلى ما يبدو حتى حينه ان القوتين الاساسيتين اي المستقبل وحزب الله هما يؤيدان رأيين متناقضين بحيث لا يمكن اقرار قانون لا يرضى عليه حزب الله مع ما يحمل ذلك من ردات فعل ميدانية سبق واقدم عليها في الماضي، في المقابل عدم امكانية تجاوز الطائفة السنية بما تمثل في التركيبة اللبنانية اجتماعيا وسياسيا، ولذلك فان الطرح لن يوصل الى طريق بل سيؤدي الى تشنج ورفع وتيرة المواجهة في موازاة عدم وجود موقف مسيحي موحد حول قانون مشترك.
واذا كانت الاوساط النيابية تعتبر بأن التيار الوطني الحر ممكن ان يشارك سيما ان بري لن يحدد موعد الجلسات التشريعية لعدم انعقادها، وهو ينام على ورقة اقناع حزب الله لعون بحضور الجلسة، كشفت اوساط محيطة بالعماد ميشال عون بان رئيس التكتل لا يزال على موقفه بعدم حضور نوابه للجلسة في حال عدم تلبية الامور التي كان عرضها على عدد من المعنيين ابان طاولة الحوار وهي تتمثل بالتالي:
1- قانون الجنسية ومعرفة كيفية التعاطي على التصويت على هذا القانون لعدم اسقاطه في التصويت بعد ان تكون الميثاقية تأمنت بمشاركة التيار الوطني.
2- ادراج قانون الانتخابات للدراسة على جدول الاعمال اذ مع علم العماد ميشال عون بان هناك عدداً كبيراً من الاقتراحات من شأنها انت ؤدي الى عدم اقرار التصوبت على صيغة نهائية الا ان هذا الواقع يسمح لاحقا بامكانية طرح هذا القانون بصيغة معجل مكرر من قبل نائب واحد في جلسات لاحقة بحيث يبقى جاهزا في كل جلسة.
3- ادراج اقتراح قانون تحرير اموال البلديات على جدول الجلسة وهو ما كان قد تقدم به التيار منذ عدة سنوات قبل حركة الحراك المدني مؤخرا اذ لم يعد معقولا عدم حسم هذا الملف
من هنا تتابع الاوساط المحيطة بعون ان كل ما يحكى بأن التيار سيشارك في الجلسة في حال عدم تلبية مطالبه هو كلام في غير مكانه، وان القوات اللبنانية تتفق معنا على الموقف ذاته، مشيرة الاوساط الى ان الاتصالات لا تزال قائمة في هذا السياق، الا ان العماد ميشال عون لن يتراجع عن مطالبه.
لكن في جانب القوات اللبنانية ايضا تمسك في هذه المطالب مع تبلغها رسائل مباشرة من تيار المستقبل بأنه لن يشارك في حال غياب التيار والقوات لكون اعتماد هذا النهج في عمل مجلس النواب وتجاوز الميثاقية قد ينسحب يوما على هذه الطائفة، والكلام عند هذا الفريق يدور حول ضرورة حسم قانون الانتخاب وتحذير النواب المسيحيين من اصوات غير المسيحيين، لكون ذلك يعزز الحضور المسيحي ويقوي الدور السياسي، موضحة بان لا صحة لما يقال بان القوات وافقت من خلال اتصالات سابقة على البت بقانون انتخاب بعد طي صفحة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، اذ هو بالنسبة اليها استحقاق يوازي الآخر، ومطلوب قانون انتخاب يطمئن المسيحيين.
وفي الموقف المشترك لكل من التيار والقوات بان الاستعجال لاقرار عدد من نقاط الجدول المندرجة في تشريعات الضرورة محقة وان ثمة حاجة اليها لكن ذلك لا يكون على حساب تجاوز الدور المسيحي دائما ولاسيما في ظل التفاهم بين قوتين اساسيتين هما التيار الوطني الحر والقوات على مطلب موحد لان هذا الموقف المشترك يهدف الى وضع حد امام تجاوز هذه القوى التي ترسم خطا احمر في مواقفها بهدف دفع الآخرين للتعاطي بواقعية وموضوعية مع الشراكة التي تحكم باستمرارية البلد.