ما ان هوت الطائرة الروسية فوق سيناء لاسباب لا تزال "غامضة"، حتى انتشرت مجدداً عدوى الاجراءات الامنية المشددة التي بدأت تنتقل من بلد الى آخر بشكل سريع ومنظّم. ووجد المسافرون انفسهم مجدداً تحت رحمة الارهاب والارهابيين، ان من خلال الخوف على ارواحهم من خطر خارج الطائرة (استهدافهم بصواريخ)، او من خلال عمليات ارهابية داخلها (قنابل او متفجرات يحملها احد الارهابيين).
هذا القلق عايشه المسافرون بعد احداث 11 ايلول الشهيرة التي نفذها تنظيم "القاعدة" بزعامة اسامة بن لادن، والذي ارسى تدابير امنية غير مسبوقة اتخذتها الدول في مطاراتها، واشتكى منها الكثيرون خصوصاً لجهة "اذلالهم" عند نقاط التفتيش، قبل ان يدخلوا الى الطائرة حاملين همومهم معهم خشية استهدافهم في اي لحظة.
وها هي "داعش" الارهابية تتبع اليوم الاسلوب نفسه، فهي اطلقت تهديداتها بشكل علني لتزيد البلبلة والخوف لدى المسافرين، فاستطاعت بذلك تحقيق مكسب بالنسبة اليها دون حاجة الى مجهود كبير، او الى تحقيق انتصارات ميدانية، كما انها استغلت المسألة لتزيد سمعتها السيئة انتشاراً وبثّ سموم الخوف لدى الناس.
هذه الطريقة الارهابية تساهم الى حد ما في فرض نوع من "الهيبة"، وهو ما تحتاج اليه "داعش" حالياً اكثر من اي وقت مضى لاثبات انها لا تزال حاضرة على الساحة وبامكانها القيام بإرهابها حتى في ظل الحرب العالمية التي تستهدفها (التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والاستهداف الروسي الجوي لمراكزها وقواعدها في سوريا، والمواجهات الميدانية مع قوات ايرانية و"حزب الله"...).
اضافة الى المكسب المعنوي، تضيف "داعش" مكسباً آخر وهو ضرب انظمة الدول المجاورة والبعيدة، وقد تمثل ذلك بوضوح بالقلق الدولي من توجه الطائرات من مختلف انحاء العالم الى شرم الشيخ المصرية، واعلان السلطات المصرية تعزيز اجراءات الامن المتخذة في هذا المطار لبعث الطمأنينة في صفوف المسافرين.
وذهب البعض الى القول ان الغاء ميشال اوباما (عقيلة الرئيس الاميركي باراك اوباما) زيارتها الى الاردن، لم تكن بسبب الاحوال الجوية كما تردد بل بسبب مخاوف من امكان استهدافها وهي في الجو، ولكن هذا الامر بقي مجرد تكهن الا انه يعكس مقدار القلق الذي يعيشه الناس جراء كل ما يمكن ان يتعلق بتدابير الامن خلال الرحلات الجوية.
اضافة الى ذلك، تعتبر "داعش" "انجازها هذا" بمثابة انذار للنظام المصري وتحذير للانظمة المجاورة من ان يدها "الاخطبوطية" قادرة على زرع الارهاب في هذه الدول وتهديد استقرارها الامني والاقتصادي والسياحي في اي وقت، ان عبر السيارات المفخخة او عبر عمليات ارهابية انتحارية في الارض والجو على حد سواء.
روسيا حاولت تطويق هذه المحاولة الداعشية، وخففت من اهمية وطأتها عبر التشكيك في ان تحطم الطائرة يعود الى عمل ارهابي او استهدافها بصاروخ، وعبر التأكيد ان لا تغيير في خطط مسار الطائرات الروسية الى شرم الشيخ او مصر بشكل عام، ولكنها عادت وأوقفت الحركة الجوية مع مصر ريثما تنتهي من التحقيقات، فيما عمدت تركيا الى اتخاذ خطوات امنية اخرى تعكس مدى القلق من هذا الموضوع.
اما بريطانيا، فلا تزال تتخبط لاتخاذ قرار واضح، ولكن القرار الروسي اراحها واعطاها الذريعة المناسبة للوصول الى بت هذه المسألة ولو بشكل موقت حيث عمدت الى سحب رعاياها من شرم الشيخ. ولم تكن الدول الاوروبية الاخرى افضل حالاً، اذ تم التعميم على الاوروبيين بوجوب تفادي التوجه الى شرم الشيخ حتى اشعار آخر.
في المحصلة، تمكنت "داعش" من كسب نقطة في معركة وجودها، ولكن المسافر هو الذي سيدفع الثمن ان عبر تعرضه لاجراءات امنية مشددة تصل الى حد الاذلال، او عبر قلقه الدائم من امكان استهدافه وهو على متن الطائرة منذ اقلاعها وحتى هبوطها، ويبقى الامل الا تطول هذه الفترة الاستثنائية على غرار ما حصل بعد احداث 11 ايلول 2001.