يندرج في فنون الأعمال المسرحيّة، «الدراما» أيّ المأساة، و«الهزلية» أيّ «الكوميديا»، و«الملهاة» مضحكة أو ساخرة، وكذلك «الميلودراما» التي تجمع بين هاتين، وربما يتّسع العمل المسرحي لفنون وإبداعات أخرى، لا تنتسب بالضرورة، إلى هذه المصنّفات «الكلاسيكية» المكرّسة.
يبدو أنّ هذه المصنّفات، على اختلاف أنواعها، حاضرة كلها، وبقوة، في أوضاعنا السياسية السائدة، في الوقت الذي تقف فيه بلادنا على عتبة انعقاد الجلسة التشريعيّة التي دعا إليها دولة الرئيس نبيه برّي.
ثمة مفارقة لافتة تتعلق بالجلسة التي قد تنعقد بنصاب دستوري، أو يتعطّل انعقادها بذريعة الحرص على الدستور اللبناني، ذي الطبيعية الميثاقيّة أو «التوافقيّة»، ولا فرق هنا، بين الصفتين، لأنّ التوافق يعني إحدى مراتب الميثاق.
في مناسبة الكلام على «الدستور» وحرماته، بل «مقدّساته» كما يحلو لبعض غلاة الساسة أن يصرّحوا، ولبعض الكتّاب أن يكتبوا، يحضر في الذاكرة، ما قاله ذات يوم، الرئيس الفرنسي التاريخي، الجنرال ديغول، ومؤدّى ذلك القول: إنه إذا تعارض نصّ في الدستور مع المصلحة العليا لفرنسا، فهو سيمزّق الدستور انتصاراً للمصلحة الوطنية العليا، للدولة الفرنسية.
قد لا يكون مفيداً، التذكير بالظروف والواقعات والمناخات، وخصوصاً «الأمزجة» والأنانيات، التي تسمّى، جوازاً، «طموحات» كتبت في ظلها جميعاً «وثيقة الوفاق الوطني» وما بات يُعرف بـ»اتفاق الطائف» أي دستور البلاد، الذي جاء مزيجاً مركّباً، بعضه الأقلّ، كتب بمشيئة صانعيه من السادة النواب، فيما بعضه الغالب، جاء نتيجة إملاءات، وأحكام، فرضتها مرحلة شاذة، من تاريخ لبنان.
غير أنه من المفيد، بالتأكيد أن نستعرض صورة المشهد الذي يحتلّ المسرح السياسي اللبناني، قبيل الجلسة التي سُمّيت ــــ تبريراً لانعقادها ــــ «تشريع الضرورة» وهذا المسمّى، يبدو اشتقاقاً حميماً، من مقولة: إنّ الضرورات تبيح المحظورات، فيما العمل من أجل مصلحة لبنان العليا، ليس أمراً محظوراً على الإطلاق، ولا معلّقاً على شروط تعجيزيّة، تواجَهُ بشروط تعجيزية مقابلة، تحضر فيها جميعاً أنانيات وأحقاد ومكايد وحسابات، وتغيب عنها كلها قاعدة وحيدة ذات مهابة، هي المصلحة الوطنية العليا، التي تتقدّم جميع الحاجات، وتسمو فوق جميع الاعتبارات.
في المنطق البسيط، أنه إذا كانت هنالك مثل هذه الحاجة، فالمصلحة العليا «للدولة اللبنانية؟!» تمثل وحدها في جدول الأعمال، ويجب أن يتحلّق حولها السادة النواب، بدون شروط، ولا ذرائع، ولا أعذار، ولا اجتهادات…
أما إذا كانت هنالك شؤون أخرى، فهي لا تأتي في أول المقام، فيتمّ استئخارها ريثما يعود لبنان إلى حالة من الترف السياسي، والرفاهيّة، والصحو فيبدأ البحث بجداول عمل الأحزاب، والتيارات، والقادة، والزعامات، والشخصيات، من أولها حتى سافل السفالات.
عملاً بهذا المقياس، يكون «التشريع المالي» حتماً أول بنود جدول العمل، تحت طائلة محاسبة مَنْ يقاطعه بتهمة حرمان لبنان، من أحوج الحاجات!!
وبهذا المقياس كان من باب الضرورات أن تحتلّ مشكلة النفايات محلّها في بنود جدول عمل الجلسة التشريعية، لأنها المشكلة المهينة التي تعني جميع اللبنانيين، بدون استثناء، ولكونها خصوصاً مهانة لسمعة لبنان، من شاهق أرزه، حتى أصغر حصاة، أو حبّة رمل عند شواطئه.
بكثير من الثقة، وبالشجاعة الكاملة، نعتبر أنّ معالجة مسألة الشغور الرئاسي، ليس هذا الأوان أوانها، كما يزعم أحد الأحزاب، وأنّ استعادة الجنسية اللبنانية، لروّاد الانتشار اللبناني، والمتحدّرين من أصل لبناني ــــ رغم كونها حقاً لهؤلاء، وثروة للبنان ــــ لا تبحث في جلسة تشريعية، محدّدة بيومين… وكذلك هو الأمر، بالنسبة إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية، الذي يجب إقراره على أساس النسبية، وبالتوافق على قاعدة واحدة، تحكم جميع الدوائر الانتخابية، بحيث لا يكون القانون المطلوب ــــ والمرتقب، بدون أن نعرف متى؟ ــــ أكثرياً في مكان، ونسبياً في مكان آخر، وفقاً للشهوات، والحسابات الدنيئة المسبقة!!
أكثر ما ينبغي لنا أن نخشاه، هو رواج المسرحيات المهازل، في جلسة تشريع الضرورة، والأدهى هو محاولات تعطيل الجلسة، عبر المواقف «الفكاهية» التي تتحوّل إلى «مأساة» والتي أحدها ــــ على سبيل المثال ــــ كلام عن وحدة الموقف بين «القوات اللبنانية»، و«التيار الوطني الحر»، وحدة يُحكى عنها، في هذه الأيام، فيما هي بدون أفق في المقبل من الأيام.