يحمل تحرير مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي من قبل القوات السورية، خلال الساعات الأخيرة، دلالات كثيرة ينبغي التوقف عندها ملياً، لا تتوقف عند الوصول إلى نقطة محاصرة منذ ما يقارب الثلاث سنوات فقط، ولا عند تحقيق إنتصار كانت الحكومة بحاجة له في هذه اللحظة الحرجة على كافة المستويات.
الوصول إلى المطار العسكري، الذي كان هدفاً دائماً للجيش السوري، هو من جهة أول إنجاز نوعي يحققه التحالف الجديد، الذي يضم روسيا وسوريا وإيران، ومن جهة ثانية يفتح الباب أمام حملات عسكرية سيقوم بها هذا التحالف في هذه المنطقة الإستراتيجية، والدليل هو الإجتماعات التي عقدت من جانب القوى المعارضة، بمختلف إنتماءاتها بالتزامن مع الإعلان عن فك الحصار عن كويرس، بالإضافة إلى نقطة ينبغي عدم إهمالها متمثلة بأن المعركة كانت مع تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي سعى إلى عرقلة الهجوم من خلال فتح معارك جانبية.
في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن لهذا المطار أهمية قصوى، متمثلة بالدرجة الأولى بكونه بوابة الإنطلاق بأي عملية عسكرية نحو الريف الشرقي أو الشمالي الشرقي لحلب، ما يعني إستحالة القيام بأي عمليات نوعية في هذه المنطقة من دون فك الحصار عنه، الأمر الذي سيكون بمثابة رسالة قاسية إلى الحكومة التركية، التي كانت ولا تزال تغطي مختلف الفصائل العاملة فيها، بالإضافة إلى أن لحلب أهمية إقتصادية وسياسية كبيرة بالنسبة إلى سوريا وروسيا معاً.
وتشير هذه المصادر إلى أن غالبيّة المراقبين كانوا يعتبرون أن هذه المعركة مفصلية، حيث كان السؤال الدائم عن موعد فك الحصار عن المطار، بعد أن ساهم الدخول الروسي على خط الحرب في قلب المعادلات، وتلفت إلى أن الإنتصار جاء بعد معارك عنيفة جداً، نجحت القوات المتقدمة فيها من إختراق دفاعات عناصر "داعش"، بفضل الكثافة النارية المدفعية والصاروخية التي إستخدمت، وتضيف: "بداية النهاية كانت بعد السيطرة على بلدة الشيخ أحمد، حيث فقد التنظيم الإرهابي كل مقومات الصمود بعد دخولها من جانب الجيش السوري والقوى الحليفة له".
وفي حين لا يزال فك الحصار عن المطار هو حديث الساعة، تؤكد المصادر المطلعة أن هذا الإنجاز ليس الهدف الرئيس على الإطلاق، بل هو من ضمن سلة مترابطة سوف تظهر نتائجها تباعاً، فالمعارك الحقيقية في هذه الرقعة الجغرافية سوف تبدأ الآن، حيث من المتوقع أن يجري العمل سريعاً على إعادة تشغيل المطار، بعد تأهيله وتأمينه بشكل كامل، ليتحول إلى قاعدة عسكرية تنطلق منها الطائرات الروسية والسورية معاً لتنفيذ عملياتها المشتركة في المنطقة، بعد أن كانت تقوم بذلك إنطلاقا من مطار حميميم في اللاذقية.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على إستهداف مواقع "داعش" في منبج والباب، ما يهدد بقطع طريق حلب الرقّة، بالإضافة إلى إستمرار العمليات العسكرية القائمة في ريف حلب الجنوبي، وتشير إلى أن الأيام المقبلة سوف تحمل معها العديد من الأخبار السارة على هذا الصعيد، وتؤكد بأن قوى المعارضة لا تملك أي إمكانية لتعويض هذه الخسارة التي لن تتوقف تداعياتها على "داعش" وحده، مع العلم أن جبهة "النصرة" كانت قد أعلنت في وقت سابق عن سحب مقاتليها من جبهات القتال مع "داعش" في ريف حلب، بسبب الرغبة التركية في إقامة منطقة عازلة في المنطقة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، فإنّ معركة فك الحصار عن المطار هي الأولى في حلقة تأمين الحدود التركية السورية، وتشدد على أن أنقرة تعتبر الخاسر الأبرز فيها، لا سيما بحال نجح الجيش السوري في توسيع رقعة سيطرته، لأن هذا الأمر سوف يقوّض مشروع المنطقة العازلة الذي سعت إليه طوال السنوات السابقة، والتداعيات ستكون خطيرة، وهي ظهرت فعلياً من خلال الإتهامات التي وجهتها فصائل وكتائب المعارضة إلى "داعش" بتسليم المطار إلى القوات السورية.
في المحصلة، نجح الجيش السوري، بالتعاون مع القوى الحليفة له، في تحقيق إنجاز نوعي، كما نجحت روسيا في إثبات قدرتها على تبديل موازين القوى على أرض الواقع، لكن العبرة تكمن في ما ستحمله الأيام المقبلة من نتائج على سير المعارك في مناطق ريف حلب بشكل أساسي، لكن المؤكد أن هذا النصر سيكون حاضراً بقوة على طاولة المفاوضات في فيينا يوم السبت المقبل.