في حسابات التسوية التي أفضت الى انعقاد جلسة تشريع الضرورة أمس، على طريقة «لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم»، تتفاوت التقديرات في توزيع مناسيب الربح والخسارة على الأطراف المختلفة.

نبيه بري ربح الجلسة التي أكّد انه لن يتراجع قيد أنملة عن عقدها؛ ميشال عون انتزع، ومعه سمير جعجع ــــ الى جانب قانوني استعادة الجنسية وعائدات الخليوي ــــ اعترافاً بأن «حفلة التهميش» للمسيحيين لا يمكن أن تستمر الى ما لا نهاية؛ نجح سعد الحريري في اكتساب صورة الحريص على حقوق المسيحيين، وإن على حساب بعض من فريقه (كالرئيس فؤاد السنيورة) الذي كان يحرّض على عقد الجلسة طمعاً في دق إسفين بين حارة حريك والرابية للإيحاء للأخيرة بأن التفاهم مع الحزب بات عبئاً يصعب تحمّل تبعاته.

عندما أعلن عون، بعد اللقاء الأسبوعي لتكتل التغيير والاصلاح الاثنين الماضي، أن علاقة التيار الوطني الحر بحزب الله «أثبت من قلعة بعلبك»، لم يكن يردّ فقط على الاشاعات عن خلافات بين الطرفين باتت تهدد «تفاهمهما»، وإنما أيضاً على بعض أهل البيت الذي يغمزون من قناة الحزب على خلفية موقفه المؤيد لعقد الجلسة التشريعية. بعض المطلعين يؤكدون أن صوت جنرال الرابية علا داخل لقاء التكتل منفعلاً في وجه من شكّكوا في مواقف الحزب، مؤكداً أن الموقف الاستراتيجي لا تغيّره تكتيكات السياسة والاختلاف في وجهات النظر.

يدرك الجنرال جيداً حراجة موقف الحزب في أي خلاف بين حليفَيه، كما يدرك حرص المقاومة على وحدة بيئتها الحاضنة المباشرة في وقت تخوض مواجهة على الجبهتين الجنوبية والشرقية. وهو يدرك أيضاً أن «الغيرة» المفاجئة للسفير الفرنسي وزملائه الغربيين على عقد الجلسة التشريعية، لم تكن حرصاً على الحياة البرلمانية والديمقراطية، بل لمعرفتهم بأن وقوف الحزب الى جانب برّي يمكن أن «يُقرّش» موقفاً سلبياً لدى الجمهور المسيحي من عدم الاعتراف به شريكاً كاملاً. فالمطلوب تغيير عكسي للتغيير العميق الذي أحدثه العماد ميشال عون في الوجدان المسيحي بتفاهمه مع حزب الله. تصفيق آلاف من الشباب العونيين، في احتفال تسلّم الوزير جبران باسيل رئاسة التيار الوطني الحر، في 20 أيلول الماضي، لدى وصول السفير الايراني محمد فتح علي الى قاعة «بلاتيا» متأخراً حوالى ربع ساعة، لا يزال صداه قوياً في الآذان الغربية.

«قطوع» الجلسة التشريعية على تفاهم مار مخايل لم يكن أصعب من «قطوع» التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وهو مرّ من دون أضرار. لكن المطلوب، لتفادي أي «قطوعات» مستقبلية، العمل وفق الشعار الذي يحبّه الحزب: «تحويل التهديد الى فرصة». تدرك الرابية أن جنرالها كان ولا يزال وسيبقى، بالنسبة الى الحزب، المرشح الأول والثابت والدائم لرئاسة الجمهورية. وتدرك، بالقدر ذاته، أن حزب الله لن يسمح، في أي حال، لأي قوة لبنانية، مسيحية أو اسلامية، بكسر ميشال عون، وهذا ما أثبته في محطات كثيرة. ومن باب أَوْلى، فإنه على تواصل مع حليفه رئيس حركة أمل الذي يتفهّم موقفه هذا جيداً، ولا يختلف معه في الاستراتيجيا. أضف الى ذلك، أن مسار الميدان في سوريا بعد التدخل الروسي والمسار الدبلوماسي في فيينا يسجّلان تحسناً لمصلحة محور المقاومة والممانعة، وهذا كله يصبّ في مصلحة عون.

في المقابل، مطلوب من الرابية مزيد من الانفتاح على الحلفاء وحلفاء الحلفاء. ومطلوب أداء جديد حيال قوى مسيحية وازنة، كسليمان فرنجية وآل سكاف، وقوى وازنة في الساحة المسيحية كالحزب السوري القومي الاجتماعي. وبالمقدار نفسه، مطلوب أن يرى التيار الوطني الحر في البلد سنّة خارج تيار المستقبل: عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وأسامة سعد يمثلون نحو 30 في المئة من السنة، وهم قادرون على تشكيل رافعة شعبية كبيرة للمشروع العوني. والأهم، مطلوب التعامل مع نبيه بري كقوة رئيسية ووازنة في البلد، ليست في أي حال من الأحوال ملحقة بحزب الله، بصرف النظر عن غياب الكيمياء الشخصية. يبقى بري «حليف الحليف»، وغياب الكيمياء لم يصل أصلا الى حدّ «الإبراء المستحيل».