بعد أن تراجعت القوى السياسية عن تصلّبها، وتمّ التوافق على مشاركة الكتل النيابية في جلسة تشريع الضرورة، استأنف مجلس النواب بعد عام من إغلاقه عمله التشريعي أمس. الجميع خسر نصف خسارة وربع نصف ربح. هكذا كان المشهد داخل المجلس. فالرئيس نبيه برّي لم يتراجع عن دعوته وأصرّ على انعقاد الجلسة، لكنه لم يستطع ذلك من دون المسيحيين.
هؤلاء أيضاً لم يحققوا ما يريدون، لكنهم حضروا وحصدوا قانون استعادة الجنسية وتعطيل المجلس إلى حين بتّ قانون الانتخابات. وحدها كتلة «الكتائب» اختارت الحضور والانسحاب. الحاضر الغائب في الجلسة كان الرئيس «المنقذ» سعد الحريري الذي تعهّد بعدم حضور أي جلسة أخرى إلا لمناقشة قانون الانتخابات.
ورغم الأجواء الإيجابية التي فرضتها تسوية اللحظات الأخيرة، ترك الاشتباك السياسي أثَره على كلام النواب، قبل أن تكرّ سبحة التشريع لتطال 24 مشروع قانون من أصل 42 تم تصديقها، أغلبها يحمل طابعاً مالياً واقتصادياً.
هي جلسة منتجة في الدرجة الأولى، لكنها أيضاً «تاريخية لن تتكرّر»، كما قال النائب سيرج طورسركيسيان في أكثر من مداخلة له داخل الهيئة العامة.
لعلّ أبرز ما أمكن ملاحظته خلالها، أولاً: الجدل الطويل بين الرئيس فؤاد السنيورة ووزير المال علي حسن خليل على مشاريع القوانين التي تتعلّق بالموازنة، حيث ظهر السنيورة أسير سياسته المالية والاقتصادية، رافضاً أي انتقاد لها، ومسخّراً كل قدراته دفاعا عنها. وثانياً، تحوّل مقعد الوزير نهاد المشنوق إلى مكتب خدمات، حيث توجّه إليه 14 نائباً لتسوية أمور عالقة في الداخلية!
أما التسوية السياسية التي حُكي الكثير عنها، والتي أعلنها برّي خلال الجلسة، فقد مرّت من دون مطبّات، باستثناء إلغاء التوصية النيابية لجهة عدم إقرار قانون انتخابي جديد في غياب رئيس الجمهورية. وكان السنيورة قد اعترض على إلغاء التوصية باعتبارها رسالة سلبية مفادها أن الانتخابات الرئاسية لم تعد أولوية. فاستعيض عنها «بإحالة ملف قانون الانتخابات إلى لجنة نيابية تعطى مهلة شهرين لإنجاز القانون، وإذا لم تتمكن من ذلك تبدأ اللجان المشتركة ببحث المشاريع والاقتراحات الموجودة تباعاً بغية التوصل إلى مشروع واحد يُحال إلى الهيئة العامة». هكذا طار قانون الانتخابات أشهراً إلى الأمام، باقتناع الجميع أن «لا قانون قبل التوافق السياسي».
وقد استهلّت الجلسة بكلام لعدد من النواب، ولم تغب عنها المزايدات بين الكتائب والقوات والتيار الوطني الحر، حيث تسابق نوابهم إلى المطالبة بانتخاب رئيس. أما بطل هذه الفقرة، فكان النائب سامي الجميل الذي كرّر أن «أي جلسة لا يكون موضوعها انتخاب رئيس للجمهورية مخالفة للدستور»، قبل أن يُعلن انسحاب كتلته، بسبب حسم برّي الجدل بقوله «هذا مطلب محق، لكنه غير ممكن. فالجلسة مخصّصة للتشريع». وبعد مصادقة المجلس على عدد من القوانين، أخذ مشروع القانون الرامي إلى الإجازة للحكومة عقد اتفاق من أجل تحقيق عتاد وبنى تحتية ملحة لمصلحة الجيش، وقتاً طويلاً في النقاش. فسأل النائب نواف الموسوي عمّا إذا «كانت السعودية على قرارها بتقديم الثلاثة مليارات دولار»؟ وهو سؤال استدعى ردّاً من كل من رئيس الحكومة تمّام سلام دفاعاً عن المملكة بقوله إن «الأموال ما زالت سارية، والتأخير مسألة عادية، والأمور لا تحصل بكبسة زر»، ووزير الدفاع سمير مقبل الذي أكد أن «لبنان تسلّم حتى الآن 597 مليون دولار من أصل 3 مليارات». وجرى تأجيل البحث به إلى جلسة بعد الظهر لمراجعة قيادة الجيش في بعض الأمور التقنية واللوجستية، قبل أن يُقرّ وفق الصيغة التي تم الاتفاق عليها بين وزير المال ووزير الدفاع والنائبين إبراهيم كنعان وسمير الجسر، والتي قضت بخفض المبلغ الى 1348 من أصل 2400 مليار ليرة لبنانية.
ومن المشاريع التي أخذت حيّزاً من النقاش، وكادت تهدّد مسار التسوية، اقتراحا قانونين لفتح اعتمادات مالية إضافية لتغطية العجز في موازنة 2016 ورواتب الموظفين، ما دفع بري إلى رفع الجلسة إلى جولة مسائية لإيجاد المخارج. وعندما حاول وزير المال تقديم شرح تفصيلي حول أهمية المشروعين، هبّ السنيورة للوقوف في وجهه، فلم يستطع المجلس التوصل إلى صيغة لإقرارهما، فأعادهما برّي إلى الحكومة. وهنا طالب بعض النواب الحكومة بالاجتماع لإقرار الموازنة وإرسالها إلى مجلس النواب، فردّ برّي قائلاً «لنجمع مجلس النواب بدنا نجمع الجن، ولنجمع مجلس الوزراء بدنا نجمع الإنس والجن». وفي الجولة المسائية استأنف المجلس مناقشة جدول الأعمال، وأقرّ قانون استعادة الجنسية اللبنانية.