مرّة جديدة تَوجّهت الأنظار إلى محادثات فيينّا الإقليميّة والدَوليّة على أمل لمس بصيص أمل بالنسبة إلى الحرب السورية التي تقترب سريعاً من إتمام عامها الخامس، في ظلّ تقدّم ميداني ملموس ولو بطيء للجيش السوري مدعوماً من مجموعات مُقاتلة مختلفة وخُصوصاً من تغطية ناريّة جويّة روسيّة كثيفة. فهل هذا التقدّم للنظام السوري سيُسرّع الحلّ المنشود أم سيُعقّده؟
بحسب أكثر من خبير غربي، إنّ التقدّم المُتواصل للجيش السوري بغطاء جوّي روسي وبدعم من خليط من المُقاتلين غير السوريّين، يسير بوتيرة بطيئة لا تسمح بقلب موازين القوى بشكل سريع لفرض حلّ من منطلق "فريق رابح وفريق خاسر"، لكنّه بالتأكيد يُعزّز موقع الرئيس السوري بشّار الأسد ويدفعه إلى التشبّث أكثر فأكثر بمنصبه. ويدفع هذا التقدّم الفريق الروسي-الإيراني المُفاوض بالنيابة عن النظام السوري إلى رفع سقف المطالب أكثر فأكثر. وأضاف هؤلاء الخبراء أنّه وبعكس ما يظنّ الكثيرون إنّ التقدّم العسكري للجيش السوري وبوتيرته الحاليّة البطيئة وفي ظلّ كلفة بشريّة باهظة يُعقّد فرص الحلّ ولا يُسهّله، لأنّه يعني عمليّاً رفض البحث في أيّ فكرة تفضي إلى إبعاد الرئيس الأسد عن منصبه في نهاية المطاف، علماً أنّ هذا الشرط محوري للقوى التي تدعم "المعارضة". وبالنسبة إلى ما تُحاول روسيا الترويج له من "حلّ" يمتدّ على مدى 30 شهراً، ويقضي بوضع مصير الرئيس السوري بيد الشعب السوري عبر صناديق الإقتراع، يعتبر الخبراء الغربيّون أنّ هذا الطرح غير قابل للتنفيذ عملانياً، لأنّه من بين أبرز العقبات التي تحول دون تنظيم إنتخابات جدّية أو حتى القيام بإستفتاء دقيق، تتمثّل بتحوّل ربع الشعب السوري إلى مُهجّر ونازح من مكان إلى آخر داخل الأراضي السوريّة، وبتحوّل ربع آخر من الشعب السوري إلى لاجئ إلى كل من تركيا ولبنان والأردن وغيرها من الدول في العالم، علماً أنّ باقي أفراد الشعب يخضعون لقوى الأمر الواقع الذين يفرضون مشيئتهم عليهم، ما يعني عمليّاً صعوبة إشراك أكثر من نصف الشعب السوري بأيّ إنتخابات أو إستفتاء، بشكل عملاني وحُرّ ومن دون أيّ ضُغوط مباشرة أو معنويّة.
والأصعب على طريق تطبيق الحلول المُقترحة من جانب روسيا وإيران والتي لا تُعطي "المعارضات" السوريّة، على إختلاف أنواعها، أيّ مكاسب تُذكر، مسألة العجز عن إقناع المُسلّحين المُعارضين بتسليم أسلحتهم. وبحسب هؤلاء الخبراء، إذا كان قرار الحرب والسلم من جانب النظام السوري وحلفائه(1) قابلاً للسيطرة، بمعنى أن تلتزم كل القوى المُشاركة بأيّ إتفاق لوقف النار فوراً تمهيداً لإنجاح الحل المنشود، فإنّ هذا الأمر غير مُمكن من جانب القوى المُصنّفة في خانة المُعارضة إضافة إلى تنظيم "داعش" الإرهابي(2). وبالنسبة إلى ما يُحكى عن أنّ دور كل هذه القوى المُسلّحة المُصنّفة في خانة المُعارضة يسقط بمجرّد وقف الدعم التركي والخليجي عنها، رأى الخبراء الغربيّون أنفسهم أنّ عدم إعطاء أيّ مكاسب تُذكر لهذه القوى الإقليمية لإنجاح التسوية، سيدفعها إلى رفع وتيرة دعمها للجماعات المُسلّحة وليس العكس. وشدّدوا على أنّ الحرب في سوريا شهدت على مدى أربع سنوات ونيّف من المعارك، الكثير من الكرّ والفرّ، ومن تغيّر المُعادلات على الأرض، من دون أن يتمكّن أيّ فريق من الحسم الميداني الشامل. وأضافوا أنّه حتى هذه اللحظة، هذه المُعادلة لا تزال قائمة، ما يعني إمكان إستمرار القتال الإستنزافي ليس لأشهر إضافية، إنّما لسنوات إضافيّة. وكشف هؤلاء الخبراء أنّ كلاً من السعودية وتركيا تضغطان لأن تحظى الأزمة في سوريا بحصّة مُهمّة من النقاشات على هامش قمّة "مجموعة العشرين" المُزمع عقدها في أنطاليا في تركيا يومي الأحد والإثنين المُقبلين، وذلك في محاولة منهما لإضعاف التأثير الروسي-الإيراني على مسار المُفاوضات الحالية، ولحثّ الدول الأعضاء في المجموعة إلى لعب دور ضاغط أكبر على النظام السوري، وإلى عدم حصر الملفّ السوري بالمحادثات التي تجري في العاصمة النمساويّة، والتي من المُرتقب أن تُركّز هذه المرّة على من يحقّ له تمثيل "المعارضة السوريّة" في أي جولة مُفاوضات مُستقبليّة ستضم ممثّلين مباشرين عن القوى المتصارعة.
في الختام، لا شكّ أنّ الرهانات المُتضاربة التي كانت قائمة منذ بداية الأزمة السورية والتي تحوّلت مع الوقت إلى حرب دمويّة شرسة بأبعاد إقليميّة ودَوليّة شديدة التعقيد، لا تزال تُغري العديد من الأطراف التي تأمل أن يفرض الميدان الخاتمة التي تنشدها، لكن يبدو أنّ فرص الحل غير مُؤمّنة في "فيينّا" حالياً، وهي غير مُتوفّرة في المدى المنظور بعكس ما تعتبر الكثير من التحاليل المحلّية والإقليميّة.
(1) تُقدّر الوحدات المُقاتلة في الجيش السوري النظامي وتلك الشعبيّة التي جرى تدريبها لتكون عبارة عن وحدات شبه نظامية، بما لا يقلّ عن 150,000 عنصر، تدعمهم وحدات شيعيّة من لبنان والعراق وغيرهما وتُقدّر بنحو 20,000 مُقاتل، إضافة إلى خبراء ووحدات لوجستيّة وعسكريّة من إيران (تُقدّر بنحو 10,000)، ومن روسيا (تُقدّر بنحو 4,000).
(2) يُقدّر عديد كلّ من "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" بنحو 15,000 مُقاتل لكل منهما، وعديد "الجبهة الإسلاميّة" (تتكوّن من فصائل إسلاميّة عدّة مندمجة) بنحو 40,000 مقاتل، وعديد "الجيش السوري الحُرّ" بنحو 30,000 عُنصر، إضافة إلى تنظيم "داعش" الذي يُقدّر عديده بنحو 50,000 مُسلّح.