هل بات مثل "اشتدي يا ازمة تنفرجي" هو السائد حالياً في المنطقة؟ التطورات تتسارع اكثر من المتوقع، ومما كان مترقبا، اخذته التعقيدات السياسية والامنية والعسكرية الى مكان آخر، وهو مكان قد يكون محطة اخيرة على درب الحل المنتظر.
بعد ان اعدّت الطاولة وجلس اللاعبون على اطرافها، تحولت المفاوضات التي كان يعوّل عليها، الى لعبة "بوكر" حيث بات كل لاعب يفاخر بالاوراق التي يملكها ويهدد بأن التهويل عليه او ابعاده عن اللعبة قد يعني قلب الطاولة على الجميع.
ويكفي استعراض المواقف بين اميركا وروسيا وايران والسعودية ومن يدور في فلكهم في الفترة الاخيرة حول مؤتمر فيينا، لمعرفة وجود توجه نحو التصعيد السياسي، انعكس بطبيعة الحال على الوضعين الامني والعسكري في اكثر من بلد. واذا كان لبنان شهد في الساعات الاخيرة اعتداء ارهابياً فظيعاً فيبرج البراجنة، كما شهدت باريس ما شهدته من اعتداءات إرهابية غير مسبوقة، فإن هذا "الخرق الامني" قابله "خرق عسكري" في مناطق اخرى من العالم اهمها سنجار، فيما وضعت عدن ايضاً على اللائحة.
سقوط سنجار اتى بشكل سريع وغير متوقع، وكان ضرورياً للولايات المتحدة للرد على روسيا، وهو اظهر ان واشنطن اعترفت علناً ان الغارات الجوية حين تكون مركّزة وجدية وتتزامن مع عمليات برية يمكنها ان تحقق الانجازات الكبيرة، على غرار ما قام به الروس في سوريا في وقت قصير. الرد الاميركي بمساندة الاكراد والازيديين اتى في وقته، وارسل رسالة مفادها انه لا يمكن لاحد ان يعتقد ان اميركا ستسمح بأن تسيطر روسيا وحدها على النفوذ في المنطقة، وحتى في الدول التي يتواجد فيها الروس عسكرياً، ستخلق واشنطن قلقاً حقيقياً ازاء محاولات استبعادها او اضعافها. هذه الرسالة اتت ايضاً كطمأنة الى الحلفاء في الدول المجاورة من ان اميركا قادرة على خلق اجواء متوازنة من ناحية القوة.
ومع سقوط سنجار بهذه السرعة (يومان فقط)، فإن العملية السياسية ستتسارع حتماً، نظراً الى اهمية هذه المنطقة من الناحية الاستراتيجية بالنسبة الى سوريا والعراق على حد سواء. فمدينة الرقة السورية تصبح اكثر قدرة على الخروج كلياً من سلطة الارهابيين بعد سقوط سنجار، كما ان الموصل العراقية لن تكون بعيدة المنال عن التحرر ايضاً اذا ما وجدت النيّة لتحريرها.
ومرة اخرى، تثبت "داعش" هشاشتها العسكرية، وان قوتها تكمن فقط في الدعاية والخلايا النائمة التي تحركها على الصعيد الامني لزعزعة الاستقرار في الدول (ومنها لبنان). ولا شك ان تحريك هذه الخلايا بهذا الشكل، دليل على مدى الوضع الدقيق الذي وصلت اليه "داعش" فقررت اللجوء الى سلاحها الاخير وهو الارهاب الامني.
الجواب على سنجار، قد يكون عبر عدن، حيث انه وبعد تراجع واضح للحوثيين في الفترة الاخيرة والذي كان مردّه كما ظهر، الى التقدم السياسي التفاوضي، انقلبت الامور بعد تحرك هؤلاء حيث استعادوا اهتمامهم بعدن، ولا يبدو ان التحالف العربي قادر على تفادي سقوطها اذا ما كانت بالفعل هدفاً للحوثيين، وهو امر قاموا به سابقاً ولن تنفع الغارات الجوية العربية لانها لن تتزامن مع عمليات برية.
ولكن، يعتقد الكثيرون ان تحرك الحوثيين هو بمثابة رسالة وصلت الى المعنيين، من ان اليمن يمكن ان يعود الى نقطة الصفر في حال الاخلال بما تم الاتفاق عليه، او في حال حاول طرف ما ان يفرض نفسه على حساب الآخرين، وبالتالي قد يكون الهدف فقط ايصال الرسالة وهو ما قد تم.
ضربة من هنا، وضربة من هناك، واهتزاز امني من هنا وخرق عسكري من هناك، كلها امور تسارعت بشكل جنوني ما يوحي بأن ما يطبخ للمنطقة وبعد ان وضع على النار، اصبح على نار حامية قد تؤدي الى اعادة الجميع الى رشدهم واسقاط الاوراق من ايديهم للوصول الى الحل المرتجى والمنتظر، فهل ستنفرج قريباً؟