لم نكد ننتهي من لملمة الجراح ورفع الركام في منطقة برج البراجنة من الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة التفجيرين الانتحاريين الاجراميين اللذين تبنّاهما تنظيم "داعش" حتى ضرب الإرهاب مرّة جديدة في العاصمة الفرنسية باريس.
إنّه الرابع عشر من تشرين الثاني 2015، يوم يشبه الى حد بعيد 11 ايلول الأميركي. إنّها الكارثة، في باريس محيط قاعة باتاكلان.
حتى إعداد هذا المقال بلغ عدد القتلى 140 قتيلا، في حين لم يحدّد عدد الجرحى ولا الرهائن.
طلب من جميع عناصر المكافحة وعناصر القوات الخاصة الفرنسية قطع الاجازات والالتحاق بمراكز التعبئة، الاتجاه الى اعلان حالة التعبئة العامة وربما الطوارئ في باريس، مع الابقاء على جمهور كرة القدم في ستاد دو فرانس داخل الملعب، علمًا ان اكثر من 60 الف كانوا يحضرون مباراة كرة القدم الودية بين منتخبي المانيا وفرنسا، فضلاً عن اغلاق عدد من محطات قطارات الانفاق في باريس.
هرج ومرج في شوارع باريس إذاً، بعد ست هجمات مختلفة ومتزامنة شنّت في باريس، وفق مصدر أمني فرنسي، تخللتها انفجارات واطلاق نار وصرخات الله واكبر الله واكبر.
المعلومات الاولية تدل ان انتحاريا على الاقل فجر نفسه وان اثنين هربا ولا زالا يتمتعان بحرية تامة، وربما هناك عدد اكثر من ذلك بكثير، فالصورة لم تتوضح حتى هذه اللحظة.
هذا الامر ان دل على شيء، فيدل على ان مثل هذا العمل الارهابي لن يكون الاخير لا في فرنسا ولا في اوروبا ولا حتى في الولايات المتحدة الأميركية نفسها وفي البلاد العربية الداعمة لآفة الارهاب.
واضح انه عمل ارهابي فيه الكثير من الحرفية والدقة، وتداعيات هذه العملية ستكون لها ارتدادات عنيفة وخطيرة على مصير الحكومة الفرنسية صاحبة المواقف المتذبذبة من محاربة الارهاب وتعاطي فرنسا الرسمية مع الدول الداعمة لمثل هذا الارهاب...
ليس فرنسا لوحدها انما اوروبا باكملها ترتجف وتهتز لهذه الفاجعة الفرنسية وتتجه نحو دفع الثمن نتيجة سياسات اوروبا المترنحة وغير الواضحة في ما خص تسهيل دعم الارهاب خصوصا في سوريا والعراق والشرق الاوسط.
ولعلّ وزير الخارجية لوران فابيوس سيكون اول الشخصيات التي ستجري محاسبتها، حتى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي وصم فرنسا بدمغة لا يمكنه التنصل منها هو أيضًا سيدفع الثمن وسيحاسب. فرنسا الرسمية أخفقت مجدّدًا في نظرتها للارهاب.
الارهاب يضرب مجددا وفي كل بقاع الدنيا...
بعد ايام قليلة، سيجتمع زعماء دول العشرين في تركيا، وهذا العمل الارهابي سيرخي بظلاله على تلك القمّة المرتقبة في تركيا، ومن المؤكد انها ستعزز نظرية الرئيس الروسي لاديمير بوتين في ما خصّ ضرورة محاربة الارهاب في سوريا والعراق...
يحب ان لا ننسى اننا عشية انعقاد مؤتمر يينا 2 لبحث امكانية الحل في سوريا وتحديد العناصر الارهابية، وايضًا سيتعزز موقف روسيا الداعي لاعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب قبل البحث باي حل سياسي.
ستختفي المطالبة بعدم وجود مستقبل للرئيس السوري، ستختفي كل المطالب باجراء انتخابات مبكرة في سوريا، ستتبخر المطالبة بعملية اجراء تعديل دستوري، ستختفي المطالبة بمرحلة انتقالية في سوريا وستتلاشى عملية تحديد التنظيمات الارهابية في سوريا.
الاولوية الان هي تنفيذ ما كان يطالب به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ألا وهو ضرورة تامين اكبر تجمع دولي لمحاربة الارهاب وقبل اي شيء اخر.
متغيرات مرتقبة ومنتظرة في كل اوروبا وربما في تركيا، نعم، تركيا رجب طيب اردوغان، خصوصا لجهة الطلب من اردوغان اغلاق حدوده المشتركة مع سوريا والعراق امام الارهاب ووقف عملية تدفق اللاجئين الى اوروبا عبر الموانئ التركية.
نتيجة هذه العملية الارهابية في فرنسا ستؤدي الى تغيير الكثير من السياسات التي تعودنا عليها. وسنرى فرنسا مجبرة على الانخراط بشكل جدي في محاربة الارهاب والانقلاب للضفة المعاكسة والانضمام الى الرؤية الروسية، والمرجح ان الاتحاد الاوروبي سيحذو حذو فرنسا وسيعلن حالة الطوارئ وسيقوم بالتشدد بعدم استقبال المزيد من اللاجئين.
اذا ستتبخر المليارات السعودية الموعودة لفرنسا نتيجة اعلان فرنسا لمواقف متقلبة ومشدوهة مدفوعة الثمن مقابل صفقات تجارية.
اما السعودية وقطر وتركيا فباتوا امام امرين لا ثالث لهما، اما وقف دعم هذا الارهاب الذي ابتلينا به وخصوصا في سوريا والعراق ولبنان واوروبا وهناك المزيد، واما ان تلك الدول ستكون امام اعلان حالة طوارئ شبيهه وربما اسوأ من اعلان حالة الطوارئ الفرنسية!