بعد تفجير برج البراجنة الإرهابي، وجدت المخيّمات الفلسطينية نفسها من جديد في الواجهة، بعد الكثير من الكلام الذي أطلِق هنا وهنا. وعلى الرغم من تأكيد عدم مشاركة فلسطينيين في الاعتداء الإرهابي، كان لا بدّ من دقّ ناقوس الخطر منعاً لتحوّل المخيّمات في مكانٍ ما ممرًا لاستهداف الامن اللبناني.
وفي هذا السياق، اكدت مصادر فلسطينية لـ "النشرة" ان القوى الوطنية والاسلامية في لبنان أعلنت الاستنفار السياسي والامني في المخيمات لمنع استخدامها ممرا او مستقرا لاستهداف الامن الوطني اللبناني وقطع الطريق على محاولة ايقاع الفتنة المذهبية بين المنطقة ذات الاغلبية الشيعية وبين مخيم برج البراجنة الفلسطيني على خلفية زج اسم فلسطينيين اثنين من بين المنفذين في الدقائق الاولى لحصوله وما رافق ذلك من حالة غضب عارم وفوضى كادت تؤدي الى توتير.
وإذا كانت المنطقة المتداخلة تجاوزت هذا القطوع الأمني الخطير، وتنفست المخيمات الصعداء، فإنّ الاتصالات الفلسطينية اللبنانية التي واكبت التفاصيل منذ البداية ومواقف المسؤولين في "حزب الله" وحركة "أمل" دلت بوضوح على "خبث المخطط" الذي اريد منه ايقاع الفتنة في كل الاتجاهات، اضافة الى قتل المدنيين الابرياء، قبل ان يدق خطاب الامين العام لـ حزب الله" السيد حسن نصر الله الاخير ناقوس الخطر محدّدًا واجبات كل جهة للمساهمة في ضبط الامن ووأد الفتنة التي لن تتوقف فصولا.
القوى الفلسطينية التي أعربت عن ارتياحها للخطاب الذي جاء مسؤولا بكل ما للكلمة من معنى ويتعالى عن الجراح والحسابات السياسية، وشكل حصانة على المخيمات من عنوانها الفلسطيني ارتباطا بالقضية المركزية، تلقفته لتمضي قدما في اتخاذ سلسلة من الاجراءات على المستوى السياسي والامني والشعبي الفلسطيني بعد ادانة من مختلف القوى بما فيها "عصبة الانصار الاسلامية"، فضلا عن حركات "حماس" و"فتح" و"الجهاد الاسلامي" والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل ونائبه اسماعيل هنية وباقي الاطر الفلسطينية.
لجنة مشتركة
سياسيا، تحدّثت المصادر نفسها عن توافق فلسطيني لبناني لاعادة إحياء وتفعيل "اللجنة الرباعية" التي تضم ممثلين عن "حزب الله" وحركة "أمل" والقوى والفصائل الفلسطينية في لبنان، مع ابقاء الباب مفتوحا لانضمام ممثل عن تيار "المستقبل" لمواكبة اي طارئ، وهو ما يوفّر بناء "جسور الثقة" بعدما تكون هذه "اللجنة المشتركة" بمثابة "خلية أزمة" يومية، تتبادل المعلومات وتواكب اي حدث لتمرير المرحلة الدقيقة على خير او بأقل الخسائر الممكنة، سيما وان القناعة لدى الطرفين باتت راسخة بالسعي الحثيث لدى "داعش" و"جبهة النصرة" لايجاد موطىء قدم لهما في بعض المخيمات، في ظل واقعها الحالي وأمنها "الهش" وصولا الى تنفيذ اجندة غير فلسطينية تعيد خلط الاوراق من جديد.
احصاء النازحين
ميدانيًا، اتفقت القوى والفصائل الفلسطينية على اتخاذ اجراءات عملية جديدة داخل المخيمات لمراقبة حركة النازحين الفلسطينيين او السوريين الوافدين اليها وخاصة في ما يتعلق منها بموضوع استئجار المنازل، ما يساهم في ضبط اي حركة مشبوهة تحاول النيل من استقرارها والجوار اللبناني، حيث علم انها طلبت من "اللجان الشعبية" و"لجنة النازحين الفلسطينيين من سوريا الى لبنان" اجراء مسح واعداد كشف تفصلي باسماء الموجودين داخل المخيمات على غرار ما فعلت بعض البلديات اللبنانية ابان التفجيرات الامنية السابقة من اجراء مسح وتقييد حركة السوريين، على قاعدة ان مثل هذه الاجراءات تترجم عمليا الموقف السياسي الفلسطيني الموحد بان المخيمات الفلسطينة لن تكون ممرا او مستقرا لاستهداف الامن اللبناني وفق الية التنسيق المشتركة لاحباط اي محاولة، وتكون القوى قد قامت بما يتوجب عليها من مسؤولية وفق ما دعا اليه السيد نصر الله.
تعزيز الامن
أمنيا، بدا القرار الفلسطيني واضحا في التوجه نحو مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة لتحصين امنهما عبر تعزيز القوة الامنية المشتركة وتفعيل دورها، لما لهما من اهمية قصوى في هذه المرحلة الحالية والمقبلة، اذ يجاوران الضاحية الجنوبية وعلى تماس مباشر مع يومياتها، وقد جاءت جولة قائد القوة الامنية المشتركة في لبنان اللواء منير المقدح رسالة واضحة الدلالة على العزم بتعزيز الامن فيهما، لفرض الأمن ومنع استخدامهما منطلقا لأي عملية للعبث بالأمن اللبناني أو الأمن الفلسطيني على حد سواء، وذلك بالتعاون والتنسيق مع الاجهزة الامنية اللبنانية، وبدعم من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" والمشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان عزام الاحمد.
في الختام، الأكيد ان تكامل الاجراءات الثلاث، السياسية (اللجنة المشتركة اللبنانية الفلسطينية) الميدانية (اجراء مسح للنازحين وضبط تحركاتهم) وتحصين الامن (تعزيز القوة الامنية المشتركة في شاتيلا والبرج) من شأنه ان يقطع دابر الفتنة في ظل المعلومات الامنية اللبنانية عن مخطط كبير لتوتير الامن في كل لبنان ارتدادا لما يجري في سوريا، بحيث تبقى بوصلة المخيمات نحو فلسطين فقط ولا يحرفها عنها ابدا.