على الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها القوى الأمنية المختلفة، تتعاظم المخاطر في ظل ما تكشفه التحقيقات والتوقيفات، التي توحي بأن ما كان يعد على الصعيد اللبناني كبير جداً، في ظل تبدل واضح على مستوى الإستراتيجية المعتمدة من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يسعى إلى تنفيذ ضربات خارج نطاق سيطرته داخل الأراضي السورية والعراقية.
من الجنوب إلى الشمال، مروراً بالبقاع والعاصمة بيروت، كل المؤشرات تدل على أن التنظيمات المتطرفة، أو الجهات الداعمة لها، كانت تريد تفجير الأوضاع الأمنية بشكل كامل، عن طريق إحداث فتنة مذهبية، الأمر الذي كان سيفتح تداعيات خطيرة على مختلف الصعد.
إنطلاقاً من ذلك، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التطورات الأخيرة هي المسيطر الأساس على أي مباحثات سياسية، سواء كانت ثنائية وجماعية، حيث توضع مختلف القوى أمام مسؤولياتها الوطنية، نظراً إلى أن الإستمرار بالتعاطي نفسه سيجلب على البلاد الويلات، وتلفت إلى أن النقاشات التي دارت على طاولة الحوار بين الكتل النيابية، في عين التينة، كانت الدليل القاطع على أن القلق يسيطر على الجميع دون إستثناء.
وتكشف هذه المصادر أن التحقيقات التي تجري مع الموقوفين، بالإضافة إلى كمية الأسلحة والمتفجرات التي عُثر عليها، لا توحي بأن المخطط كان يقتصر على مجرد توجيه رسائل أمنية، بل على العكس من ذلك المراد اعتبار هذه الرسائل مقدمة نحو خطوات لاحقة، لا تقل خطورة عنها، وهي لا تحيد عن مخطط "داعش" الرئيسي الهادف إلى التمدد نحو ساحات جديدة، كما حصل بعد إعلانه "الخلافة" في سوريا والعراق، حيث إنطلق إلى بلدان أخرى، أبرزها اليمن وليبيا، وهو لا يضع ضمن قائمة أولوياته لبنان فقط، بل هناك دول أخرى، بعضها يريدها أماكن آمنة للتخطيط وأخرى مراكز عسكرية.
بالنسبة إلى هذه المصادر، فان المخططات التي يتم كشفها تؤكد أنها ليست وليد ساعتها على الإطلاق، بل تعود إلى أشهر طويلة إلى الوراء، كان يتم فيها التحضير للإنطلاق نحو المرحلة التنفيذية في الوقت المناسب، وتذكر بأن الأجهزة الأمنية كانت منذ سنوات لا أشهر توقف بشكل دائم الكثير من الخلايا الإرهابية النائمة، أي أن لبنان لم يكن بعيداً عن الساحات الملتهبة، انما لم يأتِ موعد العمل فيه، وتدعو من يشكك إلى العودة إلى سجل الإعتقالات التي يعلن عنها عند كل نجاح تحققه الأجهزة الأمنية.
وتشير المصادر نفسها إلى أن الجماعات الإرهابية كانت تسعى إلى إستغلال حالة التوتر السياسي والمذهبي في البلاد، للعمل بكل حرية، إنطلاقاً من قناعتها بأن هذا الوضع سيوفر لها بيئات حاضنة في بعض المناطق، وتوضح أنها وضعت على رأس قائمة أهدافها بلدة عرسال البقاعية، بالإضافة إلى مدينتي طرابلس وصيدا، إلى جانب المخيمات الفلسطينية، إلا أنها تجزم بأنها لن تنجح في هذا الأمر بسبب الجهوزية العالية التي كانت لدى الأجهزة الأمنية على المستوى الإستخباراتي، وتشدد على أن هذا الأمر لا يعني التراخي في حسم الواقع في بعض الأماكن، خصوصاً بالنسبة إلى جرود عرسال، حيث تتمركز مجموعات تابعة لتنظيمي "داعش" وجبهة "النصرة".
وفي حين تلفت هذه المصادر إلى ضرورة مواكبة الإجراءات الأمنية القائمة بأخرى على الصعيد السياسي، تكرس من حيث المبدأ حالة التضامن التي ظهرت بعد التفجيرين الإرهابيين فيبرج البراجنة بالضاحية الجنوبية، تشدد على أن الأيّام المقبلة لن تكون أقل خطورة من السابقة، خصوصاً أن تضاعف الضربات الجوية على الجماعات المتطرفة، في البلدان المجاورة، سوف يدفعها إلى السعي لتوسيع رقعة المعارك، من خلال تحريك مختلف المجموعات المتضامنة معها في أي ساحة.
في المحصلة، لا تزال المعركة مع الإرهاب على الصعيد اللبناني في بداياتها، وبالتالي المطلوب رفع مستوى الحيطة والحذر إلى أعلى درجاته، بالإضافة إلى التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية من أجل تبادل المعلومات بشكل دائم.