لم يعد من المستغرب حجم الإهتمام، الذي يبديه تنظيم "داعش" الإرهابي، على الصعيدين الفكري والدعائي، في أي ساحة يقرر خوض غمار الحرب فيها، ولبنان لم يكن بعيداً عن هذا التوجه في الفترة الأخيرة، حيث العودة بعض الأشهر إلى الوراء تكشف عمله على تحضير الأرضية المناسبة، من أجل الإنتقال إلى مرحلة تنفيذ جرائمه التي كان يهدد بها، الأمر الذي تؤكده أغلب القيادات الأمنية والسياسية، التي تشير أيضاً إلى أن التفجيرين في​ برج البراجنة​ قد لا يكونان الأخيرين.

خطورة الواقع الراهن، تتطلب التوقف عند أي تفصيل، سواء كان صغيراً أم كبيراً، لأن "داعش" يسعى إلى إستغلال أي ثغرة للتغلغل عبرها، وبالتالي المطلوب مواكبة الإستنفار على الصعيد الأمني، بالعمل على المواجهة في المجالات الإعلامية والفكرية والسياسية، على أمل النجاح في تجاوز هذه المرحلة الحساسة بأقل قدر ممكن من الخسائر، خصوصاً أن التوقيفات الأخيرة تؤكد بأن المخطط كبير جداً.

في هذا السياق، تشير مصادر معنية، عبر "النشرة"، إلى أن التنظيم الإرهابي عمل، في الأشهر السابقة، على تفعيل بعض الحسابات الخاصة به، على مواقع التواصل الإجتماعي، التي تُعنى بشكل رئيسي بالشأن اللبناني، وهي كانت تعمل على متابعة أي تفصيل من الممكن أن تستفيد منه، في عملية التحريض على بعض المؤسسات السياسية والدينية والأمنية، وتلفت إلى ان هذه الساحة هي الأخطر على الإطلاق، لا سيما بعد أن أصبحت مركز الجذب والتجنيد الأول، حيث من خلالها يمكن رصد المتعاطفين معه للعمل على الإستفادة منهم لاحقاً، وربما تكليفهم بالقيام بأعمال إرهابية.

وعلى الرغم من تأكيد هذه المصادر عدم قدرتها على الجزم بهذا الموضوع حتى الساعة، توضح أن التحقيقات قد تثبت هذا الأمر، إلا أنها تلفت إلى أن الترويج الذي كان نشطاً ينبغي التوقف عنده ملياً، وتشير إلى أن أغلب أجهزة الإستخبارات العالمية ترى أن مواقع التواصل الإجتماعي هي المسرح الأخطر، على صعيد مواجهة الجماعات الإرهابية، خصوصاً أن الأخيرة تعمل من خلالها على نطاق واسع، وتشدد دائماً على ضرورة رصدها بشكل دائم لتحليل ما قد يتسرب عبرها من معلومات يمكن الإستفادة منها.

على صعيد متصل، تلفت المصادر نفسها إلى توزيع فيلم، صادر عمّا يُسمّى "مؤسسة الصمود" بعنوان "صحوات لبنان تجار الدم"، قبل أيام قليلة على وقوع الجريمة الإرهابية في برج البراجنة، وتشدد على خطورة هذا الفيلم، الذي تبلغ مدته ما يقارب 38 دقيقة، بالرغم من عدم إنتشاره على نطاق واسع، حيث فضل الكثيرون عدم التعامل معه بجدية، لا سيما أن بعض الجهات عملت على إستغلال بعض ما ورد فيه للترويج لنفسها.

وتعتبر المصادر المعنيّة أن هذا الفيلم، المُعد بشكل محترف، يندرج في سياق التحريض من جهة، ويحدد إستراتيجية "داعش" وأهدافه اللبنانية من جهة ثانية، وتشير إلى أن هذا التنظيم الإرهابي، كغيره من التنظيمات المتطرفة، يعتبر أن معركته الرئيسية تكون في البيئة التي يعمل بها، أي داخل الطائفة السنيّة بالتحديد، وهو من أجل ذلك ركز في إستهدافه الدعائي على مؤسسة دار الفتوى ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بهدف تصويره كـ"خائن" للقضاء على أي دور قد يقوم به على صعيد المواجهة، الأمر الذي يتكرر في جميع البلدان التي تعمل بها هذه الجماعات دون إستثناء.

بالإضافة إلى دار الفتوى، تطرّق الفيلم إلى دور كل من وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، مركزاً على مواقفهما التي يدعمان فيها الأجهزة الأمنية في حربها على الإرهاب، ولم يستثن هيئة "العلماء المسلمين"، بالرغم من مواقفها الملتبسة في بعض الأحيان، وآخرها عدم قدرتها على إصدار بيان إستنكار لجريمة برج البراجنة، حيث تم التركيز على الأدوار التي قامت بها في الفترة الأخيرة، خصوصاً بالنسبة الى علاقتها مع دار الفتوى وتنسيقها مع الجيش اللبناني، خصوصاً خلال أحداث ​عرسال​.

وتشدد هذه المصادر على أن حصة الأسد في التحريض، سواء في هذا الفليم أو غيره من الإصدارات الإعلامية الإرهابية، تبقى للأجهزة الأمنية، مع التشديد على دور المؤسسة العسكرية، عبر العمل على تحوير الإنجازات التي تقوم بها، وتصويرها على أنها إستهداف لفئة معينة دون غيرها، بالرغم من الإجماع الوطني على أهمية ما تقوم به على صعيد مكافحة الجماعات المتطرفة، وتضيف: "تحت عنوان "الصحوات" أراد "داعش" أن يحضر الأرضيّة، ليطرح نفسه بوصفه "المخلّص الوحيد" من "مظلومية" عَمِلَ على خَلْقِها بنفسه".

في المحصلة، هي معركة على كافة المستويات، تتطلب تضافر كل الجهود المتاحة للإنتصار فيها، وعدم إقتصار النظرة إلى هذا الملف على الجانب الأمني منه فقط.