بحسب تقارير أميركيّة، إنّ تنظيم "داعش" الإرهابي خسر في الأشهر القليلة الماضية، ما بين 20 إلى 25 % من الأراضي التي كان يُسيطر عليها في كل من سوريا والعراق، وذلك بفعل الهجمات التي يُنفّذها الجيش العراقي من جهة والأكراد من جهة أخرى، في العراق، وبفعل الهجمات التي يُنفّذها بشكل مُنفصل كلّ من الجيش السوري وحلفائه، والأكراد، وبعض الجماعات السوريّة المُسلّحة المحسوبة على المُعارضة، في سوريا. والسؤال الذي يفرض نفسه في ضوء التصعيد الكبير للهجمات الصاروخيّة التي يتعرّض لها تنظيم "داعش"، هو: من سيتسلّم الأراضي التي سيُضطر إلى إخلائها تحت وابل الغارات والقصف الصاروخي؟
إنطلاقاً من هدف قطع خُطوط إمداد تنظيم "داعش" عبر المنطقة الحدوديّة التركية-السوريّة، وضعت الدُول الغربيّة بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة، خطّة عسكريّة إستراتيجيّة تقضي بالسيطرة على شريط حدودي بطول يبلغ نحو مئة كيلومتر ويمتدّ من مدينة جرابلس إلى مدينة مارع في الشمال السوري، وهو الشريط المُتبقّي خارج سيطرة الأكراد أو المعارضة على الحدود مع تركيا. وبحسب المعلومات المُتوفّرة فإنّ الخطّة المذكورة تشمل قصف مراكز "داعش" ومُسلّحيه بشكل عنيف في تلك المنطقة الحدوديّة، تمهيداً لتحرّك وحدات من "المعارضة السوريّة" المدعومة من تركيا والولايات المتحدة الأميركيّة عسكرياً نحو هذه المناطق، بغطاء جوّي أميركي-غربي، وبدعم ميداني تركي مُستتر حيث تدعو الحاجة. ومن المُتوقّع أن تتمّ هذه العمليّة بحجّة الحملة العسكرية الدَولية لتدمير "داعش"، علماً أنّ من بين أهدافها الإستراتيجيّة الأخرى، تأمين الحدود التركية عبر قوى مُسلّحة مُوالية، والأهم السماح لقوى من "المعارضة السوريّة المُعتدلة" بحسب وجهة نظر أنقرة وواشنطن، السيطرة على أراض واسعة في سوريا كانت واقعة في قبضة "داعش". وتُخطّط تركيا المُتحمّسة جداً لهذه الخطوة، لفرض أمر واقع يسمح بتنفيذ خطّتها القديمة الرامية إلى إقامة "منطقة عازلة"، في المُستقبل القريب، وذلك لإيواء الكثير من اللاجئين السوريّين المُوزّعين على مخيّمات مُوقّتة في تركيا حالياً.
لكنّ العقبات أمام هذه الخطّة الأميركيّة-التركيّة كثيرة، أوّلها رفض واشنطن المُطلق لأيّ تدخّل برّي لقوّاتها في سوريا، ورفض واشنطن مُجاراة مطلب أنقره بفرض منطقة حظر جوّي في الشمال السوري، بسبب عدم الحماسة لهذه الفكرة وكون هذا الأمر يتطلّب تواجداً عسكرياً أميركيّاً وغربياً كبيراً في المنطقة غير مُمكن تأمينه حالياً. حتى أنّ واشنطن لا تزال ترفض في الوقت نفسه أيّ مشاريع تركيّة لإقامة "منطقة آمنة" في الداخل السوري. وبالتالي، إنّ ما تريده واشنطن، بحسب أكثر من خبير غربي، وما هي مُستعدّة لملاقاة أنقره به، يتمثّل في تأمين الغطاء الجوّي لتسهيل تقدّم وحدات من "المعارضة السوريّة" المدعومة تركياً وأميركيّاً، إلى مناطق سيطرة مُسلّحي "داعش" فور تقهقرهم منها.
وإضافة للتباين الأميركي-التركي إزاء ما يجب أن يتمّ في حال تراجع "داعش" عن مناطق سيطرته في الشمال السوري، فإنّ الجانب الروسي غير مُوافق على إستبدال سيطرة "داعش" بأيّ تواجد لأيّ فصائل مُسلّحة إسلاميّة الطابع. كما أنّ الجانب الرسمي السوري مُصرّ على مُواجهة أيّ مشاريع من هذا النوع ضمن إمكاناته كافة، كونه يعتبرها نوعاً من الإستعمار الجديد لأراض سوريّة بحجّة مُحاربة الإرهاب.
وبالتالي، يُمكن القول إنّ فرص نجاح الخُطة الغربيّة القاضية بمنح مناطق سيطرة "داعش" للمُعارضة السورية غير مضمونة النتائج، علماً أنّ هذه الخطة لا يُمكن أن تبدأ إلا بعد تدمير وإنهاك القسم الأكبر من قوّات "داعش" الموجودة في المناطق الشمالية المُحاذية للحدود التركية، وهذا الأمر يتطلّب فترة زمنيّة طويلة نسبياً. وحتى عند حُصول ذلك، قد يمنع تضارب المصالح بين روسيا والولايات المتحدة الأميركيّة من جهة، وبين المحور الداعم للنظام السوري والمحور الداعم للمعارضة المُسلّحة من جهة أخرى، تنفيذ هذه الخطة. لكنّ الأكيد أنّ إنسحاب "داعش" من أيّ بلدة أو منطقة، بفعل القصف العنيف المُرشّح للتصاعد أكثر فأكثر في المُستقبل القريب، سيفتح شهيّة الكثيرين لتعبئة هذا الفراغ. فمن سيكون أوّل المُستفيدين من تقهقر "داعش"؟