من يتابع الحراك الدولي اليوم يتوقف بشكل أساسي أمام حدثين: الأول عملاني والثاني سياسي دبلوماسي ذو طبيعة أو بعد عسكري، الأول يتمثل بالمناورات العسكرية الروسية في المتوسط وهي مناورات ذات تميز في المكان والزمان والمتوجبات، والثاني يتمثل بالقرار 2249 الذي اتخذه مجلس الأمن بالأجماع وتضمن إعلان الحرب على داعش باعتبارها تهديدا خطيرا للأمن والسلم العالمين يستوجب التصدي له وتعطيل مفاعيله.
هذه المسائل معطوفة على ما سبقها من مواقف فرنسية وأوربية أو لنقل غربية بالإضافة إلى الاستجابة العسكرية الروسية للطلب السوري في مواجهة الإرهاب وتنفيذ المساعدة بشكل مؤثر وفعال بنار من الجو والبحر مع انفتاح واستعداد لتطوير ذلك إلى مستويات اعلى، كل ذلك يطرح السؤال حول المرحلة التي وصل اليها العالم في الحرب على الإرهاب.
بداية كانت سورية أول من وضع الأصبع على الجرح وأكدت أن الإرهاب وحش أن تمكن فانه يفترس حتى صانعيه، وليس للإرهاب صديق أو حليف تكون صداقاته أو التحالف معه حائلا دون ارتكابه الجرائم بحق من تحالف معه أو مده بالمساعدة. لكن الغرب رفض الاستجابة للمنطق السوري لأنه صنع الإرهاب ويستثمره لبلوغ أهداف سياسية، ولكن اليوم ومع الدماء التي سالت والأنفس التي زهقت على يد الإرهاب في فرنسا وجد الغرب نفسه أمام واقع جديد يمنعه من الاستمرار بخداع العالم ويحد من متابعته الاستثمار بالإرهاب ويلزمه بالبحث عن طرق جديدة بتعامل معها مع الإرهاب بما يجنبه مخاطره وفي هذا السياق جاء القرار 2249 ضد داعش والحض أو الترخيص لكل دول العالم بمحاربتها وبشتى الوسائل والتدابير فهل أن الأمر هذا كاف لتحقيق لإنجاز المطلوب؟
على أهميته اليوم لا نرى أن القرار الذي اعتمد بناء لمشروع فرنسي، لا نراه كاف لشن حرب حقيقة على الإرهاب خاصة وأن فيه من العبارات المطاطة الملتبسة ما يجعل الدول والكيانات قادرة على التملص من موجباته من جهة، كما يجعل البعض الأخر يفسره بشكل يطيح بسيادات الدول وحقها على أراضيها وبشكل غير مبررمن جهة أخرى.
أن الحرب على الإرهاب تستوجب عملا دوليا متناسقا ومتكاملا، على أن تنطلق من فكرة الفصل بين مخاطر الإرهاب وواقعه وبين العمل السياسي والأهداف المعول عليها منه. فلا يمكن أن تقترن الحرب على الإرهاب بشروط سياسية أو أهداف تتصل بشؤون الحكم والسلطة في هذا البلد أو ذاك.
ثم لا يمكن أن نتقبل ادعاء البعض الحرب على الإرهاب إعلاميا في الوقت الذي تكون فيه تصرفاتهم كلها تشير إلى احتضانهم للإرهاب والتلاعب بتسميات فصائله ومد الإرهابيين بالمال والسلاح من اجل الإطاحة بحكومة هنا أو رئيس هناك.
فللسياسة أدواتها ووسائلها التي لا تأتلف مع العنف الإرهابي، وللإرهاب مخاطره التي لا تتناسق مع العمل السياسي. فالفصل بين السلوك لإرهابي والعمل السياسي امر مفاتحي لبدء الحرب على الإرهاب، وهو امر لا يبدو أن قرارا به قد اتخذ رغم القرار 2249 مع استمرار تصرفات السعودية وتركيا ودول غربية أخرى حيال سورية بالشكل البشع المرفوض في أي نظام قانوني، تصرفات تدخلية عدوانية تستمر دون أن يتم التصدي لها بشكال حاسم دوليا.
أننا نرى أن الغرب لم يصل في العمق إلى مستوى القول بانه عازم على محاربة الإرهاب بشكل جدي، خاصة وأن الغرب قادر على تجفيف مصادر الإرهاب وينابيع قوته بأقل من أسبوع، ولكنه لا يفعل فالغرب يملك مفاتيح التمويل والتجهيز التحشيد والحركة والاتصال التي يحتاجها الإرهابيون ولا يحرك ساكنا بجدية وفعالية حيالها، وصحيح أن فرنسا بعد اللسعة التي لدغت بها تحركت بشكل متمايز عن السلوك الغربي الآخر لكن الحركة الفرنسية لم تصل بعد إلى مستوى الحرب الفاعلة والمؤثرة ضد الإرهاب العالمي.
أما على المقلب الأخر فنجد فضلا عن محور المقاومة الذي يحتضن الموقف السوري في حربه الجدية على الإرهاب، نجد الموقف الروسي الذي يسير بخط تصاعدي من شأنه أن يؤثر بشكل عميق على بنية الإرهاب العالمي ويحد من مخاطره، وقد أظهرت الوقائع أن روسيا خلال اقل من شهرين من بدأ ضرباتها النارية ضد الإرهابيين في سورية حققت ما يفوق بعشرات الأضعاف ما ادعت أميركا ومن معها في التحالف الدولي أنها حققته في 15 شهرا. ورغم هذه النتائج الباهرة يصر الطرف الروسي على إدامة الزخم في الميدان وعلى تطوير قدراته في المنطقة لتفعيل حربه ضد الإرهاب بما يحقق اقصى ما يمكن من أهداف.
وفي هذا السياق تأتي المناورات الروسية في المتوسط عملا أرادت منه روسيا أن تؤكد على أهداف ورسائل ذات طبيعة عسكرية وسياسية واستراتيجية تتصل بشكل أو باخر بالحرب على الإرهاب أولا، وبالمسار العام للعلاقات الدولية في ظل إعادة التموضع والاصطفافات الدولية التي فرضها إخفاق العدوان على سورية المعتمد للإرهاب وسيلة له، مع ما استتبع ذلك من سير نحو نظام عالمي جديد.
جاءت المنارات الروسية التي نفذت في منطقة بحرية تمتد من منتصف الشاطئ اللبناني إلى شمال الشاطئ السوري وصولا إلى شواطئ قبرص وتركيا دون أن تخرق المياه الإقليمية لأي من الدول المذكورة، وشاركت فيها قطع بحرية وطائرات وإسناد ناري عابر للقارات بصواريخ بالستية عابرة للقارات في مشهد عسكري يظهر القوة ويبدي الاستعداد لكل طارئ مناورات شاءت منها روسيا التأكيد على ما يلي:
1. أن روسيا ماضية في الحرب على الإرهاب دون هوادة ومستعدة لزج أي قوى نارية في مواجهته، بالتكامل والتنسيق مع حلفائها في محور المقاومة للقيام بالعمل البري، وفي هذا السياق تأتي زيارة الرئيس بوتي إلى إيران لتزخيم هذا التنسيق والتكامل.
2. أن روسيا لم تعد تنظر إلى المتوسط كما يشاء الأطلسي اعتباره بانه بحيرة أطلسية، فمع انهيار مشروع الأحادية القطبية انهار الاستئثار هنا أيضا.
3. أن روسيا ماضية قدما في إقامة الفضاء الناري الواسع الذي يمكنها من محاربة الإرهاب ومن الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها المنتظمين في الحرب تلك. وهي على استعداد لمواجهة كل الاحتمالات في ذلك.
4. أن روسيا التي تتمسك بسيادة الدول وبالشرعية الدولية لا ترى أن السيادة تلك يجب أن تعيق مكافحة الإرهاب بل يجب على الجميع التعاون في هذا المجال. من هنا جاء إخطار الدول المجاورة بالمناورات من اجل اتخاذ تدابير الأمن السلامة .
أذن توحد الموقف الدولي على الأقل ظاهرا ضد الإرهاب وبذلك يكون المنطق السوري قد انتصر. لكن ذلك لا يكفي والانتصار غير مكتمل، واكتماله متوقف على صدق الغرب في ادعائه كما انه متوقف على وجوب توقف الغرب عن الاستثمار بالإرهاب، وهنا نسأل هل أن الغرب بحاجة إلى صدمات إرهابية أخرى أو لسعات ابلغ وأعمق حتى يلتحق بالموقف المشرقي الجدي ضد الإرهاب؟ نرجو أن تكون القطة لا تحتاج إلى دماء أخرى.