هاأنذا ومنذ طفولتي، قد ترعرتُ في مدينةِ العِزِّ والعنفوان والرجولة، مدينة الشِعرِ والخَمرِ والشهادة، زحلة، تلك المدينة التي عُرِفَت بأولَّ جمهوريَّة مستقلة في الشرق الأوسط. تعلَّمت منها أنَّني أعيش في وطنٍ عَرَفَهُ العالم بأكمله بالرغم من صِغَرِ مساحته، من خلال شخصياته العالميَّة والتاريخيّة والعلميَّة. هاأنذا ومنذ أولِ اشراقةُ شمسٍ في حياتي، سمعتُ بالشهداء والمناضلين الأباسل وتغلغل كياني بوطنٍ اسمه لبنان.
كتاب التاريح في المدرسة، علَّمنا أنَّ التاريخ لا يُمَّحَ لأنَّه تاريخُ وطنٍ وأرضٍ وشعبٍ مناضل معاً، وهواندلج اسمه في الكتاب المقدس وقدَّم للعالم أحرُفَ الأبجديّة. كتاب التربية المدرسي، عرَّفنا على القِيَمِ والآداب والأخلاق الإنسانيَّةِ والوطنيَّةِ والعائليَّة. أمّا كتاب الحياة، كانَ وما زالَ دليلي اليومي الذي منه أتعلَّم دوري ورسالتي في الحياة يوميّاً.
فمدينتي ومدرستي قدَّما لي روح الانتماء الوطني، روح حُبِّ الأرض والتفاخر ب "لبنان"؛ وهما رُكنان أساسيٌّان في تدعيم وتوطيد العلاقة بين الوطن والمواطن والوطنيَّة.
وطني، لبنان، نبت في أرضك أرزةً خالدةً كلَّلت وَسَطَ عَلَمِكَ. تعلَّم في مدارسِكَ نواةُ العباقِرة والملافِنة. تخرَّج من جامعاتِكَ كبارُ المخترعين والأطباء والفلاسفة؛ امتلأت المكتابات العالميّة بأقلام كتَّابِكَ؛ انطرب الجميع بأصواتِ فنَّانيك وإبداعهم.
وطني، لبنان، تربَّى أطفالك بين القذائف والصواريخ. ناضل شبانك عن كيانِك. تهجَّر شعبك ونزف رجالك دمائهم فداءً عنك. دُمِّرَت أبنيتك وارتفع اسمك عالياً.
قد عشت يا لبنان الحرب الأهليَّة الجبليَّة؛ لقد تأثَّرت بالحرب العالميَّة الأولى والثانية؛ وما زالت تتحمَّل أثار ونتائج الحرب الأهليَّة الطويلة التي قسَّمتك طائفياً ومذهبياً أكثر مما كان عليه.
لبنان، أنتَ وطني! يوميّاً، أرضُك تُنتَهَك وسيادتك تُداسُ! أطفالُك ينوحون وشعبكَ يهاجر! شُهداؤك يُقدِّمون أنفسهم ذبيحة لك وجيشُكَ يدافعُ عنكَ بوفاءٍ وإخلاصٍ!
لبنان، أنتَ وطني الأليم، وها أنا بغربتي أتألَّمُ معك وعنك. فألمُكَ هو ألمي؛ دمُكَ هو دمي؛ وشرفك هو شرفي.
فما لي يا وطني بيوم عيد استقلالك سوى أن أعترف أمامك وأن أجاهِرَ علناً بالرغم من ألمك وألمي: "أفتخر بأنني لبناني".
عشتم وعاش لبنان المتألِّم!