طغى ملف مكافحة الإرهاب على قمة مجموعة العشرين الاقتصادية التي أكدت مواصلة مواجهته، كآفة إجرامية تهدد الإنسانية جمعاء وأضحى «داء عالميًا لا جنسية له ولا دين»، وأشار البند المرتبط بمصير بشار الأسد «إلى أنه لا مستقبل له، لأنه قتل شعبه، وأن سوريا مثال الدول التي زعزعت استقرار المنطقة».
وعليه، فإن مكافحة الإرهاب لن تسلك طريقها العملي للقضاء على هذه الظاهرة الإجرامية، إذا ما بقي الأسد، نظرًا لعدم اتخاذ المجتمعين قرارًا عمليًا سريعًا بإبعاده من موقعه، ومحاكمته على إجرامه، حيث يجب ذلك، لأن المواجهة تتطلب أيضًا معالجة الأسباب التي ولدت «داعش» الإرهابية كنتيجة لها، في ظل صمت دولي وعدم تقدير لخصوصية المنطقة العربية وتنوعها، أضف إلى ذلك تغاضي الرئيس الأميركي باراك أوباما عن سياسة إيران التي أشعلت الصراع المذهبي على الأرض العربية بنوع خاص.
وكان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أعلن، بعيد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. التي نفذها إرهابيو تنظيم القاعدة، ضرورة مواجهة الإرهاب، ومعرفة أسبابه ومن ثم معالجته، ولكن بعدها، لم تقدم واشنطن على خطوات ناجحة عسكريًا بنتائجها في كل من أفغانستان والعراق بهدف مكافحة الإرهاب واستئصاله، وكذلك سياسيًا لم تحقق أي خطوات على هذا الصعيد لعدم مناصرتها الفلسطينيين في مطالبهم المحقة التي سلبتها منهم إسرائيل، وتركهم يواجهون المآسي وفقدان الأمل بالمستقبل ما رسخ العداء تجاه دول الغرب المتعاطفة مع تل أبيب واحتلالها للأراضي العربية وانتهاكها حرمة المسجد الأقصى.
وقد تلكأت واشنطن في معالجة أسباب الإرهاب بإنصاف القضية الفلسطينية برمزيتها الإسلامية وبعدها المعنوي – الوجداني، وتراجعت عن دعم الدول النامية لتقليص مجتمعات الفقر التي شكلت ملاذًا للناقمين على الغرب، على ما كان الواقع زمن الشيوعية قبل سقوطها، للانطلاق منها وترجمة كراهيتهم، وإن بوتيرة مغايرة عما يحصل اليوم، فواشنطن التي تصرف عشرات المليارات على أبحاث فضائية «لا تسمن ولا تغني من جوع» قصرت في هذا الحقل الإنساني الذي أصابت تداعياته السلبية العالم من دون تفرقة وتناست معالجة مكامن الدوافع الاجتماعية ذات التأثير المحفز على الإجرام.
لقد أتى إخفاق الغرب في معالجته مصادر الإرهاب ليجمع عن غير قصد مجموعة تناقضات تلاقت تدريجيًا ضد الإنسانية والديانات، فبعد أن شارف تنظيم القاعدة على نهايته، في أفغانستان وفي بقع مبعثرة عدة، استجلبته واشنطن وطهران إلى بلاد الرافدين حتى ظهور «داعش» في العراق والشام وإلى جانبها تنظيم خراسان الإرهابي كنتيجة لتغاضي المجتمع الدولي عن معالجة قضايا إسلامية – عربية محقة، بحيث بدأ عدوًا عقائديًا لهم وحلبة للانتقام الإجرامي ردًا على ممارسات إيران وحلفائها برضاء أوباما لوضعه نصب عينيه الاتفاق النووي مهما كان الثمن، ورمى كرة النار أمام دول مجلس التعاون الخليجي لاحقًا لتعاني منه وتقاتله على أراضيها ومن خلال قواتها المنضوية في التحالف الدولي.
لذلك يشهد العالم اليوم، نتيجة مدانة لعينة من الأسباب ولدتها ممارسات إيران وحلفائها في العراق أسوة بإعدام صدام حسين، صبيحة يوم الأضحى ونشر فيلم مصور لجلاديه ينادون «يا مقتدى يا مقتدى»، وكانت هذه اندفاعة شيعية لإلغاء الدور السني سياسيًا – أمنيًا – عسكريًا في بلاد الرافدين. وإمعان الحشد الشعبي لسنوات في قتال أهل السنة من أبناء البلاد… وصولاً إلى فساد نوري المالكي وبطشه الذي وفر بيئة مناسبة انطلقت منها «داعش» بعد سقوط الجيش والمؤسسات.
وفي سوريا صمت الغرب كليًا عن قتل الأسد لنحو 300 ألف مواطن وتهجير نحو خمس شعبه بشهادة وزير خارجية أميركا جون كيري في فيينا مؤخرًا، لكن مشاعر أوباما تحركت لتشكيل تحالف دولي فقط ردًا على إعدام «داعش» للمواطن الأميركي جيمس فولي، في وقت كان حزب الله دخل سوريا لقتال معارضي الأسد ومنعًا لسقوطه، وراح أمينه العام حسن نصر الله يجاهر بما يقدم عليه وحليفه الأسد من انتصارات… في موازاة تنقلات استفزازية لقائد فيلق القدس الفارسي اللواء قاسم سليماني على أرض الإقليم العربي كفاتح يدير المعارك ضد السنة ويحقق الانتصارات عليهم، وتترافق العمليات الجوية الغربية على «داعش» مع مواقف غربية دلت على أنها تهادن الأسد على حساب ترهيبه لشعبه… إذ عندها وفي ظل الإجرام والمذهبية اللذين اتسمت بهما الأحداث السورية نمت «داعش» لتشكل دولتها المزعومة وتتوسع بعد 10 يونيو (حزيران) 2014 في العراق وسوريا وتغدو تهديدًا للعالم أجمع دون أن تتبادل والأسد العداء العسكري حفاظًا على حجة بقائهما حيث نأى بقواته عن قتالها استفادة من وجودها لتسويق ذاته البديل السرمدي والأبدي لها.
وكان شكّل اغتيال الشهيد رفيق الحريري منذ 10 سنوات واتهام المحكمة الدولية قياديين من حزب الله باغتيال الزعيم السني شرارة التوتر وشعور أبناء هذه الطائفة في المنطقة العربية بالقهر الذي تبعه مسلسل طال بعدها شخصيات سياسية وأمنية عدة في مقابل مواقف حادة لحزب الله رفعت من منسوب التحدي لهذه البيئة في لبنان وخارجه.
وتحضيرًا لانطلاق المرحلة الانتقالية وتوجه روسيا وفرنسا لتكثيف ضرباتهما الجوية كل من محوره ضد «داعش»، وفق تجارب لا تحقق نتائج لعدم توفر قوات برية لا يزال التفاهم عليها ساريًا، فإن الخناق على هذه المنظمة الإرهابية سيحصل ماليًا عملاً بتوصية فيينا كما ستشلها إلى حد ما ضربات التحالف تضامنًا مع طلب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. لكن أيًا من الغرب لن ينتقل حاليًا إلى الخطوات الميدانية لعدم توفر الوسائل المطلوبة لنتائج عملية على الميدان السوري.
إذن، مواجهة الإرهاب ومعالجته تقتضيان تعاونًا مباشرًا مع دول مجلس التعاون الخليجي وتفهم مطالبها لاستقرار الإقليم باحتضان السعودية من قبل المجتمع الدولي لقيادة هذه المواجهة على أكثر من صعيد ولا سيما الديني ضد التكفيريين وعدم إلهائها بالملف الإيراني وتداعياته من خلال موقف دولي واعٍ تجاهها بعيدًا عن الحسابات الاقتصادية مع طهران الماضية في توتير المنطقة العربية مذهبيًا، لتتمكن الرياض عندها من إدارة المواجهة العقائدية مع هؤلاء الموزعة ذئابهم على دول القارات الخمس.
فتجفيف أموال «داعش» وإنشاء قوة برية عسكرية إسلامية – عربية بغطاء جوي لقوى التحالف ودعم المعارضة المعتدلة لتكون مناطقها منطلقًا للعمل البري يبقى الحل المفترض أن يتلازم مع تسوية تسرع مغادرة الأسد للسلطة كسبب لبقاء «داعش» أو إنتاج إرهاب لاحق بوجه جديد… بعد أن تبين أنهما وجهان لعملة واحدة وهذا للحد من اجتذاب الإرهابيين كي لا تكون المعالجة فاشلة، على غرار ما حصل في العراق وسوريا وليبيا… لأن المطلوب القضاء على هذا الفكر التكفيري واستئصال أسبابه، لكي لا يكون الآتي أعظم بإرهاب متجدّد الأوجه.