يُروى أن الرئيس صائب سلام كان يلعب "طاولة الزهر" مع الرئيس سليمان فرنجية في شهر آب 1970، وكانت معركة رئاسة الجمهورية على أشدها، وبات واضحاً أن مرشح الرئيس فؤاد شهاب هو فتى الشهابية وحاكم مصرف لبنان الياس سركيس، بينما لم يرسُ خيار الحلف الثلاثي (كميل شمعون وريمون اده وبيار الجميل) على مرشح معين، لأن كل واحد منهم يتطلع لأن يكون "حصان السباق"، خصوصاً أن هذا الحلف حقق نتائج باهرة في الانتخابات النيابية عام 1968.. لمعت في رأس الرئيس سلام الفكرة، فحمل نرد الطاولة بين اصبعيه، ولم يرمهما، وخاطب فرنجية: ما رأيك أن تكون المرشح للرئاسة في وجه مرشح الشهابية؟
ردّ فرنجية: ومن يقنع "الأحصنة" الثلاثة بالانسحاب من المعركة، وكل واحد منهم يريدها لنفسه؟ ويقول الرواة إن سلام قال لفرنجية: دع هؤلاء عليّ، وأنت عليك بكمال جنبلاط..
وفعلاً، في تلك الجلسة بين الرجلين اتصل سلام بالنائب كاظم الخليل، وكان يشغل منصب نائب رئيس حزب "الوطنيين الأحرار" الذي يرأسه كميل شمعون، وتربط الرجلان (شمعون والخليل علاقات خاصة ووثيقة) وتحدث معه بالأمر، حيث إنه الخيار الأسلم، وطلب الخليل من سلام مهلة نحو ساعتين، لم تكد تمضيا حتى اتصل الأخير بسلام، معلناً أنه قضي الأمر؛ شمعون وافق على الانسحاب من المعركة، وهو سيتولى إقناع زميليه الأخيرين بهذا الخيار.
أما الرئيس فرنجية فقد التقى بكمال جنبلاط، الذي كان يرأس لقاء الأحزاب والجمعيات والشخصيات الوطنية والإسلامية اللبنانية، الذي تحوّل قسم كبير منهم نحو "الحريرية السياسية" منذ تسعينيات القرن الماضي، ويومها قيل الكثير عن الامتحان الذي يجريه جنبلاط للمرشحين الرئاسيين، وفيه رسب سركيس، ونجح فرنجية..
وقيل يومها إن من فروض الامتحان الجنبلاطي كان السؤال الأول حول مصير الحريات والديمقراطية، والموقف من الأحزاب اليسارية التي أعطاها جنبلاط - بصفته وزيراً للداخلية - علماً وخبراً، أي حرية العمل السياسي العلني.
والسؤال الثاني مرتبط بالأول؛ حول دور "الشعبة الثانية"، حيث كانت قضية محاولة خطف طائرة "الميراج" لمصلحة السوفيات، قد أغضبت جنبلاط؛ صديق الاتحاد السوفياتي والأحزاب اليسارية، فكانت هذه القضية سبباً أساسياً في الانقلاب الجنبلاطي على الشهابية، لأنه اعتبرها مفبركة من ألفها إلى يائها.
المهم، أن تلك الانتخابات انتهت يومها بنجاح سليمان فرنجية بـ50 نائباً مقابل 49 لسركيس.
اليوم، أين هي تلك اللمعات السياسية التي كانت تعطي للاستحقاق الرئاسي أمام الجمهور على الأقل البُعد المحلي؟ مع أنه منذ أول رئيس جمهورية للبنان عام 1926 لم يكن اللبنانيون يختارون رئيسهم، ومعروفة كلمة "الوحي" التي كان ينتظرها الأقطاب ليختاروا رئيسهم، وإن كان كل طرف يحاول "التشاطر"؛ أنه صانع الرئيس العتيد، مع العلم أن كثيراً من المواقف والتصرفات لبعض الأقطاب، ليست سوى رسائل، لأنهم لا يستطيعون النفاذ من مرابط خيلهم الأساسية.
وهنا تحضر حركة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري بوضوح، فهو انقلب على الاتفاق مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، لأن السعودية رفضت ذلك، أما بشأن اتصاله ولقائه الأخير مع رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وفق مصادر "مستقبلية"، فإن فيها رسالة إلى حليف الحريري؛ سمير جعجع، الذي فتح مع العماد عون خطوطاً ولقاءات، وحضر ما سمي جلسة "تشريع الضرورة"، مصوّراً أنه اتفاق بين الطرفين، رغم أن موقف كتلة "المستقبل" النيابية كان مع ضرورة حضور الجلسة المالية، لأنها حسب هذا المصدر تمس بدور ومكانة وسمعة لبنان المالية والمصرفية، وبالتالي فإن هذه الرسالة تفيد بأن الحريري التقى مع من يقول إن "الرئيس بشار الأسد هو مثل خيي" نكاية بجعجع.
وبشأن اللقاءات السياسية الحريرية في باريس مع سياسيين لبنانيين؛ (فرنجية وجنبلاط ومؤخراً سامي الجميل)، فإن مصدراً سعودياً أكد لـ"الثبات" أن تحركات الحريري الأخيرة لا علم للرياض بها، وهم لم يعلنوا موقفاً منها؛ بانتظار النتائج التي ستظهر منها، وعلى الأغلب برأي هذا المصدر فإن "هذه اللقاءات هي جعجعة بلا طحين".