يلتئم اليوم اجتماع المعارضة السورية في الرياض. اللقاء الذي اتفق على مكانه في «فيينا» على أن يكون بالتعاون مع الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، تفردت السعودية بتنظيمه، من حيث عدد الدعوات والمدعوين.
فرقاء أساسيون في الحرب السورية سيغيبون، لكن يبدو أنّ الرياض تعمل على جولة جديدة من إعادة تأهيل «الائتلاف» لتحوّله من قوّة وحيدة إلى قوة قائدة، في التفاف على إلغاء احتكاره للمعارضة.
في الشكل، نجحت «الراعية» في جمع أكثر من 100 شخصية معارضة تحافظ على الوزن الرئيسي لـ«حلفائها».
المسألة، أيضاً، تخطّت إمكانية خروج المجتمعين بوفد موحّد وورقة واحدة لتفاوض الحكومة السورية، فلا يبدو أنّ ذلك سيشكّل أي مانع أمام المُضيفة التي لن تسمع مداخلات مختلفة إلا من «هيئة التنسيق» التي لها جولات سابقة من اللقاءات الثنائية مع «الائتلاف» وورقة «مبادئ» مشتركة، توصل الطرفين إلى الحد الأدنى من التفاهم. رغم ذلك، اذا اعتمد مبدأ التصويت، فستخرج السعودية بورقة «تحت سقفها».
فجميع الحاضرين متفقون على مسألة «الانتقال السياسي والتغيير»، والحبر المسال سيكون بقلم الخارجية السعودية التي ستُظهر أبوّتها للمعارضة «مجتمعة»، وتضع اللاعبين الدوليين الآخرين أمام الأمر الواقع.
الحراك السعودي - وخلفه التركي والقطري - لن يمر كما تشتهي الدول الثلاث، إذ سيظهر في الأيام المقبلة أنّه لن يُسمح للرياض بدفع عجلة المسار السياسي بقواها وحدها. جملة ثُغَر يعمل «المحور» الآخر على إظهارها وصولاً إلى حدّ تهديد نجاح لقاء نيويورك (تكملة لقاءات فيينا) بعد نحو عشرة أيام.
سياسي سوري معارض مواكب للتحضيرات يرى أنّه بمجرّد عدم وجود كافة التيارات الأساسية في الرياض، فذلك يعني بالتالي أن «لا إجماع دولي» على ما سيتمخض في نهاية المؤتمر السعودي.
المعارض، الموجود خارج سوريا، يرى أنّ دعوة فصائل مسلحة محسوبة على المضيف وحلفائه هي بمثابة تبييض صفحة هذه الفصائل. فهؤلاء جرت دعوتهم قبل انتهاء الأردن من تسليم لائحته للتنظيمات الإرهابية، حسبما اتفق في لقاء فيينا الأخير. فـ«حركة أحرار الشام» و«جيش الإسلام» وتنظيمات إسلامية أخرى، أصبحت - بحكم مشاركتها في المؤتمر - موافقة على «الحلول السياسية ومخارجها»، وبالتالي لا مجال لتصنيفها إرهابية. المعارض السوري يعيدنا إلى نقاط «فيينا» والمبادئ المتفق عليها، وأهمها «علمانية الدولة»، مقارناً بالتركيبة الإسلامية للمشاركين من التنظيمات المسلحة.
إذاً، تجاوزت السعودية قرارات فيينا، وما سيفضي عن المؤتمر سيكون موضع نقاش وتعديل أو حتى نسف من قبل القوى الدولية الأخرى، وخاصة موسكو. وعليه، لا يكتسب هذا المؤتمر شرعية تمثيل المعارضة، حيث قد يُشكَّل في نهايته «تجمّع» لمعارضين بورقة موحدة مقابل تجمعات أخرى برؤى مختلفة.
وهذا ما سيظهر خلال الاجتماع الحاصل بالتزامن في مدينة المالكية في محافظة الحسكة، حيث ينظّم «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي لقاءً «تحت العناوين نفسها» للخروج برؤية موحدة لتجمّع سياسي جديد تحت اسم «قوى سوريا الديمقراطيّة» (نسبةً إلى «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة). رئيس «حزب الاتحاد» صالح مسلم، الذي أقصيَ عن اجتماع الرياض (إلى جانب قدري جميل ورفض هيثم مناع الحضور) بفيتو تركي وبرضى سعودي ــ قطري، عمل المنظمون على «استبداله» بإشراك عضوين من «المجلس الوطني الكردي»، المنضوي في «الائتلاف» كممثلين عن الأكراد، بصرف النظر عن حجم التمثيل الشعبي والعسكري.
الرياض التي تجاوزت «لائحة الأردن» للتنظيمات الإرهابية، علمت «الأخبار» في هذا الصدد، أنّ هذه المسألة قد تحال على مجلس الأمن ليقرّ هناك من هي الفصائل الإرهابية، إذا بقيَ الاستفراد السعودي على حاله وتعامله مع مَن جمع من المعارضة كأب «فِعليّ» وروحيّ. ودعوة مجلس الأمن هذه، التي ما زالت قيد الدراسة روسيّاً، تسحب البساط من «لوائح» السعودية.
فالرياض تريد في «مؤتمرها» إظهار أنّ من يقصفهم الروس، خصوصاً في إدلب وحماه وحلب والجنوب، لديهم «شرعية سياسية» وسيجلسون إلى طاولة واحدة مع الحكومة السورية، وبالتالي ليسوا ارهابيين.
نائب رئيس «الائتلاف»، هشام مروة، متفاؤل بحضور العسكريين إلى جانب السياسيين في المؤتمر. ويقول لـ«الأخبار» إنّ ذلك يسهّل الوصول إلى حلّ «لكون المشاركين في الميدان» موجودين إلى طاولة المفاوضات.
وترتيبات «الساعات الأخيرة» قبل انعقاد المؤتمر، أفضت إلى مشاركة أكبر مجموعتين مسلّحتين مدعوّتين («جيش الإسلام» و«حركة أحرار الشام الإسلاميّة») عبر «جناحيهما السياسيين». المتحدث الرسمي باسم «جيش الإسلام»، إسلام علوش، قال مساء أمس في تغريدة عبر صفحته على «تويتر» إن «قائد جيش الإسلام (زهران علوش) يعتذر عن عدم حضور مؤتمر الرياض»، مبرّراً الأمر بـ«خروج الطريق الذي كان يسلكه سابقاً عن السيطرة». وفيما امتنع علوش عن تقديم أي إيضاحات إضافيّة، علمت «الأخبار» أنّ اعتذار زهران علوش لا يعني اعتذار «جيش الإسلام» الذي سيكون تمثيله في الرياض عبر «المكتب السياسي» متمثلاً بمحمد علّوش ومحمّد بيرقدار. على النحو ذاته، يبدو أن «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» قد حسمت أمر مشاركتها عبر «مدير العلاقات الخارجيّة السياسيّة» لبيب النحاس (أبو عز الدين) المقيم في تركيا. وعلمت «الأخبار» أن النيات كانت تتجه إلى مشاركة الأخير إلى جانب أحد «القادة العسكريين» مثل أبو صالح طحان، أو أبو عمّار العمر (الشهير بأبي عمار تفتناز، الذي عُين اخيراً نائباً للقائد العام للحركة) قبل أن يُقرّ أمس اقتصار المشاركة على «الجناح السياسي». وتوقّعت مصادر سوريّة معارضة أن سلوك «أحرار الشام» هذا المنحى يهدف إلى «منحها هامش مناورة إذا ما اقتضت الضرورة الالتفاف على نتائج المؤتمر، عبر ذريعة طرح الأمر للتشاور داخل الفصيل». كذلك، سيحضر «فيلق الشام» العضو في «جيش الفتح»، وتجمّع «فاستقم كما أمرت» و«جبهة الأصالة والتنمية» المحسوبان مباشرة على تركيا، وقوى أخرى تمثّل «الجيش الحر».
السعودية أعلنت أنّها وجهت الدعوة إلى «كافة شرائح المعارضة السورية المعتدلة» للمشاركة في اجتماع من 8 إلى 10 من الشهر الجاري. 3 أيام، سيكون فيها «جيش الإسلام» و«حركة أحرار الشام»، حليفة «جبهة النصرة»، وقوى أخرى، يتشاركون وضع ورقة موحّدة. تريد السعودية أن يجلس زهران علوش ومن سطّر بيان تعزية بأمير «طالبان» الملا عمر إلى طاولة واحدة مع الحكومة السورية. كلّ هذا الحراك سيفضي إلى المزيد من إضاعة الوقت، فسوريا (وحلفاؤها) لن يوافقوا على حلّ من هذا النوع. وإذا كانت لقاءات فيينا لم تُفضِ إلى مسار حقيقي بسبب الخلاف حول مصير الرئيس بشار الأسد فإنّ الرياض أعادت الأوراق إلى ما قبل «جنيف»... حيث الميدان يُترجم بالسياسة.