بموازاة الحرب العسكريّة الدائرة في سوريا منذ سنوات، يدور صراع سياسي-إعلامي لا يقلّ وطأة، حيث يُحاول النظام السوري منذ بداية الأزمة حتى اليوم، إلغاء أيّ مُعارضة مُنظّمة وفاعلة له، إن عبر المعارك العسكريّة، أو حتى عبر الحرب الإعلاميّة التي تضع كل فصائل المُعارضة السورية في خانة الجماعات الإرهابيّة والخارجة على نسيج المُجتمع السوري وتقاليده. في المُقابل، تجهد الأطراف الإقليميّة المُناهضة للنظام السوري على توحيد فصائل المعارضة قدر المُستطاع، وعلى إيجاد هيئة قيادية شرعيّة موحّدة، من دون أن تنجح في ذلك حتى تاريخه. وليس سرّاً أنّ تطوّر الأحداث في سوريا في الأشهر القليلة الماضية، لم يصُبّ في خانة تعزيز قوى المُعارضة، لأكثر من سبب. فهل يُمكن أن يُغير إجتماع الرياض هذا الواقع، وأيّ تأثير سيكون لهذا الإجتماع على مُجمل الحرب السوريّة؟
بحسب الخبراء الغربيّين، إنّ مؤتمر الرياض لم يُعقد في هذا التوقيت من باب الصدفة، بل هو يُشكّل إمتداداً لسعي الدول المناهضة للنظام السوري لقطع الطريق على دمشق ومن خلفها على إيران وروسيا، أمام محاولات تشتيت وإلغاء أيّ مُعارضة سورية فاعلة، تمهيداً لفرض حلّ يخدم مصالح النظام والقوى الداعمة له من دون وُجود أيّ فريق قادر على العرقلة. وإذا كان من السهل على النظام السوري تكليف من يُمثّله في أيّ إجتماع مُخصّص لبحث الأزمة السوريّة، فإنّ المُشكلة الكبرى التي تُواجهها الجهات التي تُحاول وقف نزيف الدماء في سوريا بشكل مُنصف لمختلف القوى، تتمثّل في غياب هيئة واحدة وذات مصداقيّة للمُعارضة السورية. فالإنقسامات الداخليّة الكبيرة، والخلافات التكتيكيّة وحتى الإستراتيجيّة الكثيرة، والولاءات الإقليميّة المُتعدّدة، والتنافس المُحتدم على القيادة... أدّت كلّها في السابق وحتى اليوم، إلى فشل تشكيل هيئة مُوحّدة للمُعارضة. وإنطلاقاً من هذا الواقع، تُحاول الجهات السعودية المُنظّمة لمؤتمر الرياض إستعادة المُبادرة، عبر توحيد أكبر عدد مُمكن من الفصائل والجماعات السورية السياسيّة والعسكريّة المُعارضة ضمن هيكليّة واحدة (باستثناء القوى الكرديّة)، على أمل أن تتمثّل هذه المُعارضة بوفد موحّد خلال أعمال أي مؤتمر خاص بالأزمة السورية في المُستقبل، ومنها ربّما مؤتمر "نيويورك" المُزمع عقده في الثامن عشر من الشهر الحالي.
وفي حال نجاح هذه الخطوة، فهذا سيعني تلقائياً التمكّن من تجاوز الكثير من الخلافات والإنقسامات السابقة بين القوى الإقليمية الداعمة لفصائل مختلفة من المعارضة، أي بين كل من السعودية وقطر وتركيا. وعندها، سيكون للمعارضة السورية وفد مُفاوض يتمتّع بأهمّية بالغة، كونه يضمّ شخصيّات تُمثّل تنظيمات مُسلّحة موجودة على الأرض في سوريا، وليس مُجرّد شخصيّات مناهضة للنظام موجودة في الخارج. ودائماً في حال النجاح في توحيد المُعارضة السورية، فهذا يعني فرض واقع جديد لا ترضى عليه أكثر من جهة إقليميّة ودوليّة مؤيّدة للنظام السوري، إضافة طبعاً إلى النظام المذكور، حيث أنّ لهذه الأطراف مآخذ كبرى على الكثير من الجماعات الإسلاميّة التي تُصنّفها بالإرهابيّة، والتي تُحاول عزلها ومنعها من الحصول على أيّ شرعيّة دوليّة. وليس سرّاً أنّ روسيا تضغط لإفشال محاولات توحيد المعارضة السورية، عبر تشدّدها إزاء لائحة التنظيمات الإرهابيّة، وعبر تهديدها بمقاطعة أيّ إجتماعات أو لقاءات تضم جماعات إرهابيّة. كما أنّ النظام السوري يخشى توحّد المعارضة تحت أيّ هيئة مؤثّرة سياسياً وعسكرياً، لأنّها قد تحظى عندها بشرعيّة دوليّة تُخوّلها الجلوس على طاولة المفاوضات بمواجهته. لكنّ الدول الغربيّة الأخرى المعنيّة بالأزمة السورية، والتي سبق لها أن شاركت في الإجتماعات التي عقدت في "فيينّا"، لا تُجاري موسكو أو دمشق في تشدّدهما، بل هي تُرحّب بأيّ خطوة يُمكن أن تؤدّي إلى وُجود مرجعيّة تمثّل المعارضة السورية، لأنّ من شأن ذلك تسهيل حصر المسؤولية في أيّ خطوات مُستقبليّة بشأن سوريا.
في الختام، وإذا كان صحيحاً أنّ من شأن النجاح في توحيد المعارضة السورية، إنّ تمّ، جعل موقف هذه الأخيرة أكثر تشدّداً إزاء أيّ محاولات خارجية لفرض حلّ لا ترضى عليه، ما يَحدّ من فرص تمرير أيّ تسوية في المُستقبل القريب، بسبب التمكّن من فرض نوع من التوازن السياسي على طاولة التفاوض، بموازاة العجز المُستمر عن حسم النزاع عسكرياً، فإنّ الأصحّ أنّ وجود ممثّل واحد عن المعارضة ومُعترف به إقليمياً ودولياً، قد يفتح الطريق جدّياً أمام البحث في تسوية سياسيّة وسطيّة يُمكن تنفيذها والإلتزام بها من قبل القوى المُتقاتلة على الأرض. لكنّ هذا الأمر صالح للمدى البعيد، حيث أنّ الواقع الحالي يؤكّد رفض النظام السوري والقوى الداعمة له الإعتراف بأيّ مُعارضة شرعيّة يُمكن مفاوضتها.