سقطت مناقصة الخلوي، امس، اذ تبيّن للجنة التلزيم في إدارة المناقصات أن وجود عرضين فقط من شركتي «زين» و«أورانج» لادارة وتشغيل الشبكتين ليس كافياً لتحقيق شرط المنافسة، بل يتطلب الأمر توافر «ثلاثة عروض على الأقل». وتبيّن ايضا أن شركة «أورانج» لم تبرئ ساحتها من تهمة العلاقة مع العدو الاسرائيلي أمام مكتب مقاطعة اسرائيل. وبالتالي بات لزاما الغاء نتائج هذه المناقصة بكاملها
عند التاسعة من صباح امس، عقدت لجنة المناقصات جلستها المخصصة لتلزيم إدارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخلوي. في البدء، عمدت اللجنة إلى التدقيق في الإجراءات السابقة للمناقصة، لجهة الإعلان ونشره بحسب الأصول في الجريدة الرسمية وفي 6 صحف محلية وصحيفتين عالميتين.
وبحسب محضر العروض الواردة، تبيّن أن هناك عرضين واردين من شركة «زين» الكويتية، ومن شركة «أورانج» الفرنسية، وأن هناك تمديداً لمهلة تقديم العروض حُصر في شركة «أوراسكوم» المصرية، بالاستناد إلى قرار مجلس شورى الدولة، القاضي بقبول الوثائق التمهيدية العائدة لهذه الشركة وتمكينها من المشاركة في المناقصة، بعدما جرى استبعادها بموجب احكام دفتر الشروط، إلا أن «اوراسكوم» ارسلت بكتاب اعتذار عن عدم المشاركة يوم الاثنين الماضي، أي قبل يوم واحد من نهاية المهلة الاضافية، وبالتالي لم يبق إلا عرضان في الملف، يعودان إلى «أورانج» و«زين».
سجّلت اللجنة بضع ملاحظات على دفتر الشروط، لأنه لم يتضمن نصاً يحدّد الحدّ الأدنى للعروض المقبولة التي تحقق شرط المنافسة، بل تبيّن لها من المواد 2،3،6، من دفتر الشروط الخاص بالمناقصة، أن شروط الاشتراك تقوم على ألا «توكل إلى شركة واحدة إدارة الشبكتين معاً»، وهذا يعني أن تحقيق الشرط يتطلب ثلاثة عروض مقبولة بالحدّ الأدنى، لاعتبار المنافسة قائمة.
واشارت لجنة المناقصات إلى أن دفتر الشروط ينص على أن يجري التلزيم على أساس السعر الأدنى، وأن يُسمح للعارضين بتعديل عروضهم المالية خلال دورة واحدة من جولات متتالية، علماً أن مثل هذا الإجراء ليس منصوصاً عليه في قانون المحاسبة العمومية، بل هو معتمد عالمياً عند توافر شروط المنافسة الكاملة المبنية على اساس أكبر عدد من العروض... وبالتالي لا يمكن تطبيقه في حالة وجود عرضين فقط.
تبيّن للجنة أن إدارة المناقصات سبق لها ان طلبت من وزارة الاتصالات التحقق من أوضاع الشركات المشاركة في المناقصة مع مكتب مقاطعة اسرائيل وإبلاغها النتيجة. وقد أظهرت المستندات الصادرة عن مكتب مقاطعة اسرائيل، أن شركة «زين» «لا قيد عليها»، وبالتالي فلا مانع وطنيا من مشاركتها في المناقصة وقبول عرضها بعد توافر شروط المنافسة. وتبيّن أيضاً أن مكتب مقاطعة اسرائيل لم يصدر إفادة «لا قيد عليها» لمصلحة شركة «أورانج»، بل طلب من وزارة الاتصالات في 6 تشرين الأول 2015، أي قبل شهرين، أن تطلب من الشركة المذكورة تقديم إقرار مصدّق من كاتب عدل ومن وزارة الخارجية، ومن اي سفارة عربية في فرنسا يبيّن حقيقة علاقة هذه الشركة بالعدو الاسرائيلي وبشركة «Partnes Communicatios LTD» الاسرائيلية، تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب في شأنها، الا ان مكتب مقاطعة اسرائيل لم يصله اي اقرار.
«أورانج» لم تتبلغ
من وزارة الاتصالات رسمياً طلب مكتب مقاطعة إسرائيل
هذا النقاش استمرّ فترة طويلة بين لجنة المناقصات، وممثلي وزارة الاتصالات وممثلي الشركات المشاركة في المناقصة. ممثلو الوزارة خرجوا غير راضين عن النتيجة، كما بدا على وجوههم، بل كانوا مستائين جداً من النتيجة التي وصلت إليها المناقصة، وهو الأمر نفسه الذي عبّر عنه وزير الاتصالات بطرس حرب أمام ممثلي الوزارة، الذين عادوا إليه خائبين، ولاموا إدارة المناقصات على هذه النتيجة، إلا أن هذا الوضع يثير أسئلة عديدة: لماذا كان وزير الاتصالات بطرس حرب يتذرّع بقرار إدارة المناقصات عندما استبعدت أوراسكوم، ولماذا تلام اليوم على قرارها المبني على عدم تحقق شرط المنافسة؟
في الواقع، كان النقاش بين أعضاء لجنة التلزيم قبل يوم واحد على فضّ العروض، أنه لا مانع من السير بالمناقصة في ظل وجود عرضين فقط، وأن هناك رأياً استشارياً من ديوان المحاسبة يجيز السير بمناقصة اشترك فيها عارضان اثنان، علماً أن قانون المحاسبة العمومية لا ينص على عكس ذلك ايضاً. ويتوافق الأمر مع دفتر الشروط الخاص بالمناقصة، الذي لم يتطرّق بشكل واضح إلى هذه النقطة، بل منع تلزيم شبكتي الخلوي لشركة واحدة، لكن بالنسبة إلى اللجنة، فإن شبهة المنافسة كانت تحوم حول المناقصة التي لا تتعلق بتلزيم شبكة واحدة، بل بشبكتين (MIC1, MIC2)، وبالتالي كان النقاش محصوراً في اللجنة بشق فضّ العروض، وترك عملية التلزيم لمجلس الوزراء... لكن عندما جاء ردّ وزارة الاتصالات على أسئلة إدارة المناقصات بشأن موقف مكتب مقاطعة اسرائيل من الشركات المشاركة في المناقصة، وهو ردّ متأخّر جداً، يظهر أن هناك شكوكا في إحدى الشركتين المشاركتين في المناقصة، رجّح خيار «عدم السير» بالمناقصة. وقد برّرت اللجنة قرارها بالإشارة إلى «أهمية قطاع الاتصالات وانعكاساته الأمنية والوطنية، وحرصاً على اعتبارات المنافسة الكاملة في هذا النوع من الصفقات العمومية، وتنفيذاً لاحكام قانون مقاطعة العدو الإسرائيلي».
وبحسب مصادر مطلعة، فإن شركة «أورانج» الفرنسية لم تتبلغ من وزارة الاتصالات رسمياً طلب مكتب مقاطعة اسرائيل، الذي يطلب منها التصريح في انموذج معدّ سلفاً من المكتب عن حقيقة علاقتها مع اسرائيل، وأن ترفق هذا الأمر بوثائق أخرى تستحصل عليها من اي سفارة عربية في فرنسا... فلماذا قرّر حرب التغاضي عن هذا الأمر، على الرغم من تبلغه كتاب مكتب مقاطعة اسرائيل قبل شهرين؟
قصّة هذه المناقصة نمطية جداً في لبنان، حيث لا يمكن تلزيم عقد من هذا النوع إذا لم يكن مراعيا لشروط المحاصصة السياسية، فضلا عن ان المناقصة مبنية على اساس خصخصة الإدارة بلا أي طائل ولا أي جدوى فعلية من هذه الخصخصة. وهي مناقصة استقطبت تجاذبات سياسية في أولى مراحلها، إذ إنها أصلاً نتاج اتفاق سياسي في مجلس الوزراء على دفتر شروط ببنود معينة، لم يلبث أن ادعى أحد طرفي الاتفاق أن دفتر شروط المناقصة يتضمن بنوداً غير التي اتفق عليها، وتستهدف استبعاد شركة «أوراسكوم». هذه الأخيرة تأخّرت، عمداً أو إهمالاً، عن ارسال وثائقها التمهيدية إلى وزارة الاتصالات في التوقيت المحدد من اليوم الأخير لتقديم الشروط، فاستُبعدت بعد مراسلات بين وزارة الاتصالات وإدارة المناقصات، لكنها عادت من «الباب» بقرار من مجلس شورى الدولة، صدر في اليوم الأخير لتقديم العروض، فجرى تمديد المهلة لها وحدها، وحُفظت العروض السابقة حتى الموعد النهائي لفض العروض، أي يوم أمس الثلاثاء. وبعد ذلك، عزفت الشركة عن المشاركة من أجل عدم توفير شرط المنافسة... ثم جاء ردّ مكتب مقاطعة اسرائيل لينسف المناقصة من أساسها.
المناقصة انتهت في ظل تعطيل جلسات مجلس الوزراء، وبات هناك الكثير من الأسئلة التي يفترض ان يجيب عنها وزير الاتصالات بطرس حرب عن فترة ما بعد «سقوط المناقصة». ما هي الخيارات: هل هو التمديد للشركتين الحاليتين؟ ام هو توقيع عقود رضائية؟ أم هو استلام الدولة إدارة الشركتين؟ هل هناك المزيد من الخيارات؟