هي الحرب على "داعش" بلا أوهام، كما خلص جزءٌ سابقٌ، تعمّق عند "العقيدة الداعشية" انطلاقاً من المبدأ القائل بوجوب دراسة العدو جيّداً قبل بدء المعركة، ليتبيّن أنّ سلاح الجو لا يمكنه بمفرده أن يحسم المعركة مع المقاتلين التكفيريين، وأنّ الطريقة الوحيدة المتاحة للغربيين للانتصار عليهم تنحصر في تدمير معاقلهم بشكل شبه كامل، بل إنّ الخيار الوحيد الذي يمكن أن يجنّبنا الكوارث القادمة هو التمكن من ضرب رأس التنظيم، عبر تركيز الجهود على استهداف زعيمه أبو بكر البغدادي مباشرة.
ولكن أين الجيوش العربية من هذه المواجهة المصيرية والوجودية؟ وهل يمكن أن يكون لهم دورٌ حاسمٌ وجوهري فيها؟
سيكون على الأميركيين التفكير مرتين قبل توريط أي جيش عربي في هذه الحرب. فالتجارب التي ما تزال حيّة امامنا والمتمثلة في أداء كل من الجيشين المصري والسعودي لا تشجع على المغامرة مطلقاً.
فالجيش المصري يعاني الويلات في سبيل السيطرة على سيناء ودحر بضعة مئات من التكفيريين الذين لا يملكون سوى الاسلحة الخفيفة في منطقة صحراوية جرداء شبه مستوية، وللحقيقة فإن اداء الجيش في هذه المعركة وتأخره بحسمها جاء مخيباً للآمال لا سيّما انه مدجج بأحدث الاسلحة الاميركية، فكيف به الحال لو دخل الى المحرقة السورية؟
كما أن أعمال التفجيرات الإرهابية المتنقلة في كافة انحاء مصر تفرض على الجيش انتشاراً دائما، ولن يكون من السهل عليه التصدي لأي مهام جديدة رغم عديده الذي يقارب نصف مليون جندي.
اما الجيش السعودي فقد اعطى صورة مخجلة، لم نرَ ما يشبهها في التاريخ الحديث من خلال انسحاباته السريعة والمشاهد العديدة والمتكررة لفرار جنوده ركضاً على الاقدام ومؤللين، وحفلات احراق دبابات الإبرامز السعودية الأميركيّة الصنع التي بدأت تصبح مملة لكثرة تكرارعرضها على الشاشات.
فالجيش العاجز عن استعادة موقع عسكري على تلة جرداء رغم تفوقه الجوي وكثافة نيرانه، كيف له ان يخوض معارك تحرير مدن مكتظة بالابنية والسكان.
وها هو هذا الجيش نفسه يلجأ الى السلاح الوحيد القادر على مقارعة الحوثيين، الا وهو تكفيريو "القاعدة" في جنوب اليمن.
من هنا، ليس من السهل على الجيوش الحديثة إيجاد مضاد ناجح للمقاتل العقائدي الراغب بالموت. وصناعة هذا النوع من المقاتلين لا تتطلب سوى أشهر معدودة من التدريب العسكري، وغسل الدماغ بعقيدتهم الدينية الإستئصالية.
الواقع أن ظاهرة المقاتل العقائدي الديني تستوجب درسها بعناية فائقة. فهذا المقاتل يصمد في المعركة حتى الموت ولا يفكر في الإستسلام، فكما ذكرنا سابقاً هو يرغب بالشهادة. ولم يسجل مثلا على "حزب الله" أن استسلم أحد من عناصره، ولم يؤسر الا جريح مصاب غير قادر على الحركة، كما حصل في حالة الأسير ذو الفقار عز الدين، والأسير المحرر عماد عياد، والأسرى الثلاثة في معركة ريف حلب الأخيرة، حيث ضلوا طريق العودة من مهمة لوجستية ودخلوا خطأً في منطقة معادية فتم قصف سيارتهم وأسرهم جرحى. ولا ننسى موقع جرد بريتال الذي سقط فيه جميع عناصره دون ان يفكر احدهم بالاستسلام أو الهرب.
سبق لإسرائيل والمتابعين العسكريين الغربيين أن تعرفوا على هذا النموذج القتالي في حرب تموز 2006 في معركة مارون الراس حيث صمد مقاتلو "حزب الله" عدة ايام في البلدة وكبدوا الاسرائيليين خسائر جسيمة، ولم يتمكن من السيطرة عليها الا بعد سقوط جميع المقاتلين فيها وعددهم يقارب الـ15 مقاتل، وتدمير معظم منازل البلدة، رغم ان امكانية انسحابهم الى بنت جبيل كانت متوفرة، وهي البلدة نفسها التي صمدت طيلة ايام العدوان ولم يتمكن الاسرائيلي من التقدم خطوة واحدة الى داخلها.
خلاصة البحث تقودنا الى النتيجة التالية: بعد استحواذ التكنولوجيا المتطورة على مكانة متقدمة في شروط النصر العسكري، وهذا ما ظهر في الحرب الاميركية على العراق، أعاد المقاتلون العقائديون مكانة المميزات الفردية للمقاتل الى رأس لائحة مقومات الصمود والنصر.