على الرغم من الإعتراضات التي أطلقتها الحكومة العراقية، على إرسال نظيرتها التركية المزيد من القوات العسكرية إلى أراضيها، لا يبدو أن أنقرة في طور التراجع عن خطوتها، خصوصاً بعد الدعم الذي حظيت به من قبل الولايات المتحدة الأميركية، التي خرجت لتقول أن ما حصل تم بموافقة بغداد، نظراً إلى أنها تصبّ مباشرة في خدمة مشروع تقسيم البلاد إلى أقاليم عرقية ومذهبية.
من حيث المبدأ، لا ينفصل التدخل التركي، الذي يتجاوز حدود السيادة العراقية في وقت كانت أنقرة تضع إسقاط الطائرة الروسية قبل أيام قليلة في خانة ضرورة إحترام سيادتها على أراضيها، عن التحضيرات القائمة لمعركة الموصل الواقعة تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، فهي تريد أن تحجز منذ الآن موقعاً لها في منطقة تعتبرها جزءاً أساسياً من بلادها، نزع منها عند ولادة الدول الجديدة بموجب إتفاقية سايكس- بيكو.
في هذا السياق، تشير مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، إلى أن ما قامت به أنقرة لا يمكن العودة عنه على الإطلاق، خصوصاً بعد أن وجدت أن مشاريعها في الداخل السوري في طور التراجع، نتيجة التدخل الروسي، الذي يشدد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، في وقت كانت تركيا ترغب في إقتطاع جزءٍ منها، بالتحديد حلب، لضمّها إلى دائرة نفوذها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عبر وضعها تحت سيطرة جماعات سياسية وعسكرية خاضعة لها.
وتلفت هذه المصادر إلى أن جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين يدركون، في هذه المرحلة، أن دور الجماعات المتطرفة لا يمكن أن يستمرّ طويلاً، بعد أن حققت الأهداف المطلوبة منها، لناحية التقسيم العسكري، وبالتالي المعركة المفصلية هي حول هوية القوى التي ستحل مكانها في المستقبل، وتضيف: "من هنا وجدت تركيا أن عليها التدخل سريعاً في العراق عبر إرسال قواتها، في رسالة واضحة بأن الإقليم السني، بعد تحديد الكردي والشيعي، يجب أن يكون تحت نفوذها، وفقاً لنظرية أنّ من يحرّر الأرض يحكمها".
في هذا الإطار، تذكّر المصادر نفسها بأنّ الرئيس التركي السابق عبدالله غول، كان قد أعلن في وقت سابق أن بلاده تخلت عن الموصل من أجل عراق موحد، في إشارة إلى أنها في حالة التقسيم تريد إستعادة السيطرة عليها، كما هو الحال في الحجج التي تقدمها أنقرة بالنسبة إلى التركمان في ريف اللاذقية، حيث تعتبر أن هناك الكثير من الروابط التي تحتم عليها الدفاع عنهم، وتشير إلى أنه في الحالة الراهنة وجدت بعض القوى المحلية المتعاونة معها، حيث عبرت بعض القوى العراقية في أكثر من مناسبة عن رغبتها بالإنفصال عن الحكومة المركزية في بغداد، نتيجة الخلافات المتراكمة منذ الغزو الأميركي في العام 2003.
من هذا المنطلق، تشدد المصادر نفسها على أن الأزمة الأساسية تكمن في ضعف الحكومة العراقية، التي تبدو عاجزة عن القيام بأي خطوة رغم التهديدات المتعددة التي أطلقتها، خصوصاً على لسان رئيسها حيدر العبادي، بسبب ضعف القوى العسكرية والأمنية الناتج عن تفكيك بنية النظام السابق بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين، الأمر الذي يتصل مباشرة بمساعي إستهداف جيوش المنطقة، سواء كان في مصر أو في سوريا، لتقدم الحلول بعد سيطرة الجماعات الإرهابية على قاعدة دعم الجماعات المحلية، ذات الإنتماءات المذهبية والعرقية، وتلفت إلى أن هذا ما حصل مع الأكراد في سوريا، الذين نجحوا في السيطرة على مناطق واسعة يسعون إلى ربطها ببعضها البعض.
وفي حين تعتبر أن السباق على الموصل، بين الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة في العراق، سيشتعل في الأيام المقبلة على نحو أوسع، تلفت هذه المصادر إلى أن كلاً منها سوف يعمد إلى دعم القوى المحلية المتعاونة معه بشكل أكبر، وتضيف: "وحدها الحكومة المركزية ستبقى عاجزة عن القيام بأي أمر يذكر، لأن المطلوب منها أن تكون على هذا الشكل من أجل إنجاز المخططات الجاهزة منذ مدة طويلة"، لكنها تطرح علامات إستفهام حول إمكانية أن تطلب بغداد الدعم من الجانب الروسي، مستغلة الخلاف القائم بين موسكو وأنقرة، ما دفعها إلى أن تطلب بحث الملف في مجلس الأمن الدولي، إلا أنها ترى أن الأوضاع ليست بهذه السهولة بل معقدة كثيراً.
في المحصلة، نجحت تركيا في التقدم خطوة إلى الأمام، في وقت كان العالم منشغلاً بحادثة إسقاط الطائرة الروسية، لكن الأكيد أن المعضلة تكمن في إضعاف المؤسسات والمشاريع الوطنية، لتكون حجر الأساس في تطبيق مخططات التقسيم التي تظهر في الوقت الحالي.