يطلّ عيد الميلاد هذه السنة، ولبنان منشغلٌ باهتمامات سياسية عالية الوتيرة على صعيد إنتخابات رئاسة الجمهورية، في ظلّ تعقيداتٍ تحيط بالمنطقة نتيجة الهجمات الإرهابية التي لا تستثني المسيحيين ولا المسلمين في الدول العربية المجاورة، ليبقى الجيش اللبناني إشراقة الأمل في هذا الوطن وعليه تعقد الآمال لحماية لبنان في كل المناسبات.
ورغم كلّ الظروف التي تجعل من العيد مختلفاً هذا العام، إلا أنّه يبقى عيد التجدد والسلام والمحبة. هكذا أراده أبناء منطقة النبطية ومرجعيون، بحيث يكون مناسبة لتبادل الهدايا بين أبناء المنطقة من مختلف الطوائف، لأنّ السيد المسيح أرسل مخلصًا للبشرية جمعاء وهدية الله للإنسان على الأرض.
المناسبة هذا العام تزينت بأشجار الميلاد التي تصدرت المنازل، المدارس والمؤسسات الرسمية والخاصة، فيما تستعد المنطقة للإحتفال بهذا العيد مع ما يجسده من محبة وتلاق وتواصل بين المسلمين والمسيحيين تعبيرًا عن مفهوم العيش المشترك الذي يتجلى في المنطقة بأبهى معانيه حيث يتمجد اسم الله من خلال التقاء الكنيسة والجامع في منطقة واحدة كحارة المسيحيين في النبطية والكفور وكفروة ومرجعيون وغيرها.
كلّنا إخوة...
وفي هذا السياق، يشير رئيس دير ما أنطونيوس في النبطية الأب فرنسيس عساف الى ان "عيد الميلاد هو عيد السلام ومحبة الله للناس لأنه أرسل المخلص لهداية الناس اليه، وهو مصالحة الارض والسماء ولقاء الإنسان مع أخيه الإنسان، وهو عيد الفرح البشرى الحسنة، وفي هذا العيد تحقق الوعد بإرسال المخلص هدية الله للإنسان، المسيح هدية، للبشر وفي هذا العيد يتبادل المؤمنون الهدايا تمجيدا للميلاد".
وفي حديث لـ"النشرة"، يشدّد الأب عساف على أنّ المخلص هو للبشرية جمعاء وليس للمسيحيين فقط، ويقول: "جميعنا أبناء الله ونصل على ذات الطريق، والسنة هي سنة الرحمة بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية وقد اعلنها قداسة البابا فرنسيس تطبيقا للاية الكريمة "وما ارسلناك الا رحمة للعالمين"، ولذلك يجب ان نحمل السلام لكل انسان بغض النظر عن ديانته، وان نعيش معه القيم الانسانية، علمًا أنّ المشترك بين التعاليم السماوية هو ان لا نفكر باسلوب ديني لاننا كلنا اخوة بوصفنا ابناء الله، فلا ننظر الى الفروقات المذهبية والطائفية والسياسية".
ويكشف الاب عساف ان المنطقة ستحيي الميلاد بقداديس منتصف الليل وفي صبيحته ايضا في الاديرة والكنائس في كنيسة السيدة في النبطية وفي الكفور وبفروة والعدوسية ومرجعيون وحاصبيا والعيشية والجرمق وكلها كنائس تمجد الله ويلتقي فيها المسلم مع المسيحي في العيد للقول ان مجد لبنان هو التعايش والعيش تحت سقف الوطن وتحت راية محبته، "وهذا ما نلقاه هنا في هذه المنطقة التي تقدس العيش المشترك ويتلاقى ابناؤها في الاعياد والمناسبات المشتركة تجسيدا لاواصر الوحدة الوطنية الداخلية".
أسبوع ميلادي كامل
وفي إطار النشاطات الميلادية الخاصة أيضًا، أحيت المدرسة الانجيلية الوطنية في النبطية اسبوعا كاملا للميلاد، كما يكشف رئيسها شادي الحجار لـ"النشرة"، حيث يلفت إلى أنّ المدرسة أضاءت شجرة عملاقة بارتفاع عشرين متراً مع خيمة المحبّة والسلام على مساحة كيلومتر مربع وتمّت اقامة الصلاة واضاءة الشموع وافتتاح مغارة الميلاد مضاءة بمئة الف لمبة على نية شهداء الوطن وشفاء المرضى، وقد ترافق ذلك مع موسيقى ميلادية.
ويشير الحجار إلى أنّ ميلاد السيد المسيح هو الحياة والتجدد والسلام والمحبة والمشاركة، "وهو ما نراه ونلمسه هنا حيث ابناء الطائفة الشيعية معنيون بالعيد كما المسيحيون، ونراهم يتهافتون لتقديم التهاني لهذه المؤسسة العريقة تربويا والتي حموها بالعرفان والمحبة والعيش المشترك طيلة 50 سنة، والعيش المشترك هنا يتجلى بكل المعاني السامية والعظيمة وفي الزيارات المتبادلة في الاعياد حفظا للوحدة الوطنية التي هي الشعار المشترك لابناء هذه المنطقة صونا للبنان الذي لا يقوم الا بجناحيه المسلم والمسيحي.
محطة للتلاقي
وفي مرجعيون، يتكرّر المشهد نفسه، من حيث انتشار اشجار الميلاد والفرحة التي تعم الجميع بالوصول الى سلام واستقرار والكل ينشد ان تعم المحبة بني الوطن. ولهذه الغاية، اضاءت بلدية جديدة مرجعيون شجرة عيد الميلاد، في احتفال شعبي حاشد حضره ابناء البلدة والجوار. وبعد اضاءة الشجرة التي يزيد ارتفاعها عن الـ12 مترا، وهي اعلى شجرة ميلادية في الجنوب، تمنّى رئيس البلدية أمل حوراني ان يكون عيد الميلاد هذا العام فاتحة خير وميلاد للمحبة والامن والسلام للبنان والمنطقة، مؤكدا ان مرجعيون كانت وستبقى عنوانا للمحبة والعيش المشترك.
ويقول مختار حارة المسيحيين في النبطية راشد متى لـ"النشرة" ان الميلاد اشراق نور ومحبة، فهو محطة للتلاقي ونبذ الكراهية والحقد والابتعاد عن العنف وكل ما لا يمت للدين بصلة، والميلاد هو انفتاح وقبول للاخر بعيدا عن كل ما نشهده من مآسٍ ومعاناة، موضحًا أنّ الميلاد فرح وحياة جديدة وتواضع وعطاء، والميلاد يبعد التطرف والظلم عن العالم ويؤسس للعيش الواحد واحترام القيم الانسانية التي جوهرها الخير.
الجنوب واحة أمان واستقرار
بدوره، هنأ النائب ياسين جابر اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة بحلول الأعياد المجيدة المباركة لدى الطوائف المسيحية، متمنياً ان يعم السلام والأمان والإستقرار وطننا الحبيب لبنان وان يبقى عزيزاً في وحدته الوطنية وعيشه المشترك، مؤكدا في حديث لـ"النشرة" ان الاعياد واحة للقاء والمحبة والتلاقي بين اللبنانيين من خلال تبادل التهاني والاحتفال في الاعياد التي تعودنا عليها في الجنوب ان تكون تجسيدا للعيش المشترك الذي تنعم به بلداتنا بفضل الوعي والوحدة بين الجميع.
واعتبر النائب جابر ان الجنوب واحة امان واستقرار بفضل الجهود المبذولة من كل القوى الحريصة على هذه المنطقة وفي المقدمة المقاومة التي تقف جنبا الى جنب مع الجيش والشعب لدرء المخاطر والاعتداءات الاسرائيلية على وطننا.
وأكد النائب جابر ان اسرائيل ما تزال تضع لبنان في دائرة الاستهداف وعلى منظار التصويب وهي تتحين الفرص للانقضاض على بلدنا واخر انتهاكاتها للسيادة اللبنانية تفجيرها جهاز تجسس بعمال وجرافة في الخيام وهو انتهاك صارخ وخرق للقرار الدولي 1701 وهو ما نضعه برسم المجتمع الدولي، وهذا ما يدفعنا كلبنانيين الى الوحدة والتماسك والتلاقي من اجل الدفاع عن لبنان وتحصينه من الانواء والمخاطر والرياح العاتية سواء اكانت من العدو الاسرائيلي او من الارهاب التكفيري اللذين يلتقيان معا في استهداف لبنان وأمنه واستقراره ووحدته الوطنية وعيشه المشترك، "وهذا يحتم علينا الالتفاف خلف جيشنا اللبناني وقوانا الامنية ومقاومتنا الباسلة الذين حققوا نجاحات امنية في الفترة الاخيرة من خلال ملاحقة الشبكات العميلة لاسرائيل والعمل على تفكيكها وهو صيد ثمين يسجل لقوانا الامنية والعسكرية في مواجهة اسرائيل، او من خلال الاجهاز على العناصر الارهابية التكفيرية التي كانت تضمر الشر والخراب للوطن ولكل طوائفه وبنيه"، موجها التحية للجيش والقوى الامنية الذين يسهرون في عيدي الميلاد ورأس السنة على راحة المواطنين وتوفير الاستقرار لكل المناطق اللبنانية.
خطة أمنية محكمة
ولأنّ الوضع الأمني يبقى الأساس، فقد استحوذ على عناية الجيش والقوى الامنية، بحسب ما يؤكد مصدر أمني جنوبي لـ"النشرة"، لافتاً إلى تكثيف الحواجز الامنية الليلية والنهارية لحماية الاستقرار واشاعة اجواء من الاطمئنان، وهو ما بدأ يلمسه المواطنون في عاصمة الجنوب صيدا وامتدادا الى النبطية وبنت جبيل وحاصبيا ومرجعيون وصور بهدف حماية الكنائس ودور العبادة في عيدي الميلاد ورأس السنة.
وعلمت "النشرة" أن خطة أمنية محكمة وضعتها القوى العسكرية والأمنية في منطقة الجنوب تقضي بنشر عناصر أمنية حول الكنائس والأديرة التي يرتادها المصلون لإقامة القداديس ليلة العيد وصبيحته، وتتضمن تسيير دوريات راجلة ومؤللة الى محيط دور العبادة، المؤسسات الرسمية، إضافة إلى مدن الملاهي التي يرتادها الأطفال ومحيط المراكز الثقافية العربية والأجنبية.