بالرغم من التشنج الذي سببه إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك فوق الأراضي السورية وما نجم عنه من توتر شديد في المنطقة التي باتت تعجّ بالاساطيل والتي لا تحتاج إلا لخطأ غير مقصود أو خطوة غير عقلانية من قبل أحد المتهورين حتى تنفجر حرب عالمية ثالثة تطيح بما تبقى من أمل بتسوية أو حل، قام الأتراك بخطوة تصعيدية أخرى في العراق، حيث عمدوا الى نشر قوات تركية في محافظة نينوى بدون تنسيق مع الحكومة العراقية، وأعلنوا أنهم لن يسحبوها بالرغم من مطالبات العراقيين المستمرة بسحبها واعتبارها "عدوانًا" وانتهاكًا لسيادة العراق.
فماذا في التصعيد التركي الجديد؟
يبدو أن التصعيد التركي المزدوج على جبهتي العراق وسورية، يشير الى أن الأتراك يخشون التسوية المقبلة الى المنطقة، ويحاولون قدر المستطاع أن يحققوا أكبر قدر من المكاسب من تلك التسوية من خلال التصعيد، بالاضافة الى منع الأكراد من تحقيق حلمهم بدولة كردية مستقلة تبدو أقرب الى التحقق لأول مرة في تاريخهم، وهو ما يجعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصرًا على إطلاق مواقف تؤكد على السير بمشروع إقامة "مناطق آمنة" في شمال سوريا، بالاضافة الى دعوته الى التنفيذ السريع لمشاريع تدريب وتجهيز المعارضة السورية "المعتدلة" التي كانت قد أعلنت عنها واشنطن من قبل.
وبالرغم من نجاح الأتراك في ابتزاز الإتحاد الاوروبي في قضية اللاجئين، والحصول على مبلغ 3 مليار يورو من الاتحاد الاوروبي كثمن لإعادة استضافة اللاجئين الذين يتم إعادة ترحيلهم من الاتحاد؛ لا شكّ أن الحكومة التركية تعيش إرباكًا اقليميًا لم تشهد مثله منذ بدء الأحداث في المنطقة ولغاية الآن، ويتجلى في:
- عقوبات اقتصادية وتهديدات يومية من موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية، ولا يبدو أن أحدًا من الحلفاء مستعد لدعمهم او تخفيف الضغط عنهم.
- انكماش الاقتصاد التركي الى حد غير مسبوق، بالاضافة الى قلق المستثمرين من عدم الاستقرار وهو ما قد يدفعهم للرحيل عن تركيا بعدما شكّلت تركيا البديل والمكان الأفضل لكل مستثمر في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الحرب في سورية وعدم الاستقرار في كل أنحاء المشرق.
- خسائر كبرى للمسلحين التابعين لأنقرة في شمال سورية، وتقدم للجيش السوري مدعومًا بقصف جوّي روسي، وعدم قدرة الأتراك على تأمين الإمداد لإعادة التوازن الميداني كما حصل في جسر الشغور سابقًا، بسبب دخول العامل الروسي الذي فرض واقعًا جديدًا على الأرض.
- تخوّف تركي من تمدد "حزب العمال الكردستاني"، الذي كان له المساهمة الأكبر في معركة تحرير سنجار في تشرين الثاني المنصرم، ما جعله يسيطر على البلدة ذات الاغلبية اليزيدية، وهو ما دفع الأتراك الى استباق تمدده ومحاولته ربط أقاليمه السورية بمناطق عراقية تمهيدًا لإعلان الدولة، خصوصاً في ظل قلق مسعود البرزاني ( حليف الأتراك) من توسّع سيطرة حزب العمال الكردستاني على حساب نفوذه في المناطق الكردية التي شهدت مظاهرات تدعو الى رحيله والى إصلاحات اقتصادية ومكافحة الفساد للخروج من الازمة الاقتصادية التي تفاقمت بعد انخفاض أسعار النفط.
- عدم قدرة الأتراك على إقناع الحلفاء بالسير بمشروع المنطقة "الآمنة" وهي فعليًا ترجمة للطموح التركي باحتلال كامل المنطقة الممتدة من ريف اللاذقية في سوريا، أو ما يطلق عليه الأتراك "جبل التركمان" وصولاً الى تلعفر في شمال العراق، وهي منطقة قريبة من المواقع التي يتمركز فيها الجنود الأتراك داخل العراق اليوم.
- قلق تركي من التسوية المقبلة في سورية، وخصوصاً بعدما صدرت مواقف أميركية واوروبية تدعو الى التعاون مع الجيش السوري، وتعيد النظر بمواقفها من الرئيس السوري بشار الاسد، بالاضافة الى أن التصعيد الروسي ضد الأتراك قد يدفع موسكو الى دعم الأكراد في مطالبهم، كما سؤدي بالضرورة الى التضييق على حلفاء أنقرة من المعارضين السوريين بحيث قد يواجهون بفيتو روسي على مشاركتهم في السلطة أو في الحكومة السورية المزمع تشكيلها كمسار من مسارات الحل السياسي.