بعد سنواتٍ عِجافٍ من القتل والتدمير المنهجي لسوريا، والذي حاول كثيرون ان يطالوا فيها الناس والحضارة ومعالم الدولة، بدأ العالم بأسره ينحو الى إعادة تقويم (الحرب السورية)، بدءاً من تحديدٍ المصطلحات المستخدمة بدقّة، في قاموس الحرب، وتوجّهٍ واضح لإعتماد مصطلح (الحرب على سوريا) أو (الحرب الإرهابية على سوريا)، أو (حرب التكفيريين على سوريا)، بدل المُستخدماتِ التي تمَّ تسويقها والبناء عليها زوراً، وذلك دلالةً على أن كُلَّ ما شهدته سوريا من أحداثٍ وحروب وحملاتٍ عسكرية منظّمة، كان عملاً إرهابياً موصوفاً، على مستوى بعض الدول، التي جهدتْ لإحداثِ تغييراتٍ فاشلة، على مستوى الحُكْمِ وإدارة أحوال البلد، ومنعه من رعاية القضايا القوميّة.. بعد أن إستقال كثيرون من عروبتهم، وإختبأوا من شمس الحقّ، وإلتحفوا ظُلْمةَ الجهل والخيانة.
فبعد خمس سنواتٍ من محاولة إغتيال سوريا، الدولة والشعب، والحضارة، والنظام، يجِدُ العالمان العربيّ والغربيّ، حالهم أمام واقٍعٍ صادمٍ لطموحاتهم، حيث إكتشفوا أنّ صمود سوريا الأسطوري بدّلَ كثيراً من برنامج المؤامرة وروزنامتها الحمراء، وأن إرتدادات الأحداث السورية، تهجيراً وقتلاً وتدميراً منهجياً للتراث، بدأ ينعكس سلباً وبأشكالٍ أكثرَ حِدّةً، على المجتمعات العالمية كافّة. وليست التجليّاتُ الإرهابية في أوروبا واميركا وبعض البلدان العربية، إِلَّا شكلاً من أنماط الإرهاب الذي ورّدَهُ صُنَّاعُ المؤامرات، ومهندسو تفتيت الدول والمجتمعات إلى سوريا، بهدف إبعادها عن القرار الفاعل، وإضعاف دورها القومي الممانع والرافض للتسويات، والدخول في (بازار التبادلات العقارية)، إذا ما نضجتْ المؤامرة، لتبدأ عمليات (الفرز والضّم)، في حكاية إعادة ترسيم خرائط الشرق الأوسط، الحكاية التي روّج بعض الغرب لها منذ عقودٍ، و يعملون بتعاونٍ قصديٍّ من بعض العرب لإنضاجها على نار الحرائق التي تلتهم الدول، وتجعل من الشعوب وقوداً لها...
... إزاء هذه المشهديّات التي تتداعى بسرعةٍ تهويريّة، سيعمد كثيرون لإعادة درس حساباتهم، والكفِّ عن جَدْوَلةِ مؤامراتهم، متعلّمين من دروس الماضي، أن التاريخ لا يكتبه الا المنتصرون بِالْحَقِّ.
... لا شكّ ان بوصلة التحوّلات ستنتظمُ إبرتها من جديد، وتشير الى الصحّ وتُنَبِّهُ الى المخاطر، ويتحمّل العالم مسؤوليته في الدفاع عن البشر والحضارات والنَّاس، قبل أن يتبارزوا على الإهتمام بالبيئة، ويتلهّوا بعقد (قمّة الأرض)، وتلمّس الإنهيارات الطبيعية، متناسين ومتجاهلين، مصيرَ الدولِ والشعوبِ، التي يتلاعبون بحياتها!
ألَمْ يكُنْ أحرى و أجدى، لو عقد رؤساء الدول مؤتمراً حول (قِمَة الإنسان)، بدل (قمة الارض)؟!
ثُمَّ، هل درس المهتمون بالأرض وأحوالها تأثيرات الحرب على سوريا، وتداعياتها على البيئة؟
وهلْ هم تحوّطوا للإرهاب المرتدِّ عليهم وعلى مجتمعاتهم وأنظمتهم، اللّابسة لبوس الديمقراطية المَصْلَحيّة؟
وماذا سيقول زعماء (قمّة الارض) لشعوبهم، وكيف سيبرِّرون إنضواءهم في خلايا الاٍرهاب المنظَّم والمُمَوّل، الذي يقتل الانسان ويدمّر البيئة، مع مفعولٍ رَجْعيٍّ؟
ليس كلامي انتصاراً لسوريا، بَلْ أراه واجباً قوميّاً، في زمن إغتيال العروبة بأيدٍ عربية... وأريده شهادةً مألومةً على واقٍعٍ قاسٍ، واحوالٍ دامعةٍ لمشاهد تهجير الناس وإرتمائهم في محيطات الموت، هرباً من ظلمٍ التكفيريين ووحشيتهم الإستراتيجيّة، في إفراغ المنطقة العربية من أبنائها المسيحيين، ودفعهم للهجرة، تحقيقاً لتخطيطاتٍ ولتنبؤاتٍ وبروتوكولاتٍ صهيونية، مُسْبَقَةِ الدَفْع...
بالأمس كانوا يتقاذفون التهم بحقّ سوريا، ويرمونها بالحرام، ويُجَرِّمون مَنْ رأى فيها ملاذاً للتعددّية الطائفية، والحضارية، بل كثيراً ما جرّموا كلّ مَنْ لَمْ يرمِ حجراً عليها...
وغداً، سنشهد التدافع (غَبَّ الطلب)، للوقوف في الطوابير المنتظرة دورها للحصول على إذنٍ للتكحُّل بمنظر دمشق.
تُرى، هل إنّ قانون التوبة، ومظهريّاتِ الندَم، و محاولات إستدرار الرأفة، سيكون لها مطرحٌ على جدولِ أعمال الغَدْ؟
والذي يشغِلُ بالَ خوارج السياسة كثيراً، هو ما إذا كان قانون المغفرة والتسامح لا يزال ساري المفعول، أَمْ بَطُلَ العملُ بهِ، مع بِدء علامات الخيانات الأولى؟!