على الرغم من كل التحولات التي تشهدها الساحة السورية، لم تتضح حتى الساعة طبيعة العلاقة التي تجمع بعض الكتائب والفصائل العسكرية المعارضة، خصوصاً كل من "جيش الإسلام" وحركة "أحرار الشام" وجبهة "النصرة"، فهي قادرة على التحالف والتخاصم في يوم واحد، من دون أن تقدم تبريرات عمليّة يمكن فهمها، باستثناء قتال الجيش السوري، بهدف منعه من التقدم نحو المناطق التي تسيطر عليها.
في الأيام الأخيرة، برزت معطيات سياسية عدّة، التي من المفترض بها أن تحسم هذا الجدل، من مؤتمر فيينا الثاني الذي تم التوافق فيه على تصنيف كل من جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" منظمتين إرهابيتين، إلى مؤتمر الرياض الذي لم يقدّم الدعوة إلى قيادة الجبهة، بالرغم من مساعي تبييض صورتها أمام الرأي العام الدولي، وصولاً إلى إعلان السعودية تشكيل تحالف إسلامي بزعامتها، لكن كل ذلك كان يوضع في كفّة في حين توضع التطورات على أرض الواقع في كفّة أخرى.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هجوم زعيم "النصرة" الارهابي أبو محمد الجولاني على المشاركين في مؤتمر الرياض، عبر وصفهم بـ"الخونة"، ومن ثم نفيه وجود ما يسمى "الجيش السوري الحر"، الأمر الذي رد عليه "جيش الإسلام" بشكل مباشر عبر رفع شعار "نحن الجيش السوري الحر"، لم يمنع الجانبين من التحالف ضمن غرفة عمليات مشتركة لإدارة معركة المرج في الغوطة الشرقية، بعد التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوري في المنطقة، الأمر الذي يطرح حوله علامات الإستفهام، فكيف يشارك "الجيش"، المدعوم من السعودية، ضمن تحالف واحد مع الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، مع العلم أن مؤتمر فيينا، الذي تشارك فيه الرياض، توافق على تصنيف "النصرة" كمنظمة إرهابية، وبالتالي لا يمكن تصوّر ما حصل، لا سيما أنه جاء بعد مؤتمر الرياض الذي كان من المفترض به السعي إلى الفصل بين الكتائب والفصائل المعتدلة، وتلك الإرهابية التي لا يمكن دعوتها إلى المشاركة في أي عملية سياسية في المستقبل.
غرفة العمليات الجديدة، التي تضم كلا من: جبهة "النصرة"، "جيش الإسلام"، "فيلق الرحمن"، "أحرار الشام"، "أجناد الشام"، تدعم الرؤية الروسية حول لائحة المنظمات الإرهابية، التي كانت قد دعت إلى أن تشمل بشكل رئيسي كلا من "جيش الإسلام" و"أحرار الشام"، بسبب الإرتكابات التي قاما بها طوال السنوات السابقة، في حين عارضت بعض القوى الإقليمية هذا التوجه، نظراً إلى رهانها الوحيد عليهما، في وقت وجدت بعض القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة، أن الوقت لم يحن كي تحسم موقفها النهائي منهما.
من هذا المنطلق، تسأل المصادر نفسها القوى الإقليمية، الراغبة في مشاركة "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" في العملية السياسية المقبلة، عن موقفها من التحالف الجديد مع "النصرة"، وتعتبر أن هذا الأمر لا يمكن أن يفسر ضمن تحالف الضرورة، خصوصاً أن من المفترض بهما، في حال قررا أن يكونا جزءاً من المستقبل السوري، أن يشاركا ضمن تحالف لمحاربة المنظمات الإرهابية، التي تتربع على عرشها "النصرة"، بالشراكة مع "داعش"، وترى أن هذا يؤكد ما قاله الجولاني قبل أيام أن ما صدر عن مؤتمر الرياض لن يطبق على أرض الواقع، حيث الكلمة الفصل ستبقى في الميدان العسكري، الذي يحافظ فيه كل فريق على مواقفه السابقة، من دون التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
من وجهة نظر هذه المصادر، الخطوة التي قام بها "جيش الإسلام" بالتحديد، الذي يتولى السيطرة على القسم الأكبر من الغوطة الشرقية، لا يمكن أن تفسر إلا بتجاهل ما جرى في الرياض، مع العلم أن السعودية تعتبر مرجعيته السياسية الأولى، وتشير إلى أنها تندرج ربما في سياق التحالف الإسلامي الجديد، الذي تم الإعلان عنه مؤخراً بقيادة المملكة، لكنها تعتبر أن الرد عليها سيكون سريعاً عبر الإصرار على وضع عناصر زهران علوش على لائحة المنظمات الإرهابية، التي تعمل الحكومة الأردنية على إعدادها، وتسأل: "هل من الممكن إعتبار من يتحالف مع "النصرة" معتدلاً؟"، وتلفت إلى أن الأمر نفسه ينطبق على "أحرار الشام"، التي لا تزال حتى الساعة عاجزة عن تحديد موقفها، فهي تسعى إلى القول أنها قادرة على المشاركة في العملية السياسية، لكنها عاجزة عن فك إرتباطها مع الجبهة الإرهابية".
في المحصلة، لا تزال قوى المعارضة السورية غارقة في فوضى التحالفات، بين التعاون مع المنظمات الإرهابية والمشاركة في مؤتمرات تدعي السعي إلى مكافحتها، في حين تتراجع حظوظ المسار السياسي، بسبب إصرار القوى الإقليمية والدولية على تحقيق مصالحها أولاً وأخيراً.