ليس البيان الصادر عن وزارة الخارجية اللبنانية والذي تنفي فيه جملة وتفصيلا علمها بضمّ لبنان للتحالف الاسلامي الجديد الذي تترأسه المملكة العربية السعودية لمحاربة الارهاب، ولا الموقف الرمادي لرئيس الحكومة تمام سلام الذي بدا للوهلة الاولى متفاجئًا بقراءة المملكة موقفه المرحّب بقيام تحالف مماثل موافقة على انضمام لبنان اليه، وحدهما ما يثيران الدهشة والأسف، فكل ما سبق ذلك ولعل كل ما سيليه يؤكد أن لبنان بات وأكثر من أي وقت مضى بلدًا من دون مرجعية، تتقاذفه دول اقليمية لا زالت تؤمن بأنّها وصيّة عليه، طالما من نصبوا أنفسهم لقيادته غير قادرين على انتخاب رئيس للبلاد منذ أكثر من سنة ونصف، فكيف بإدارة هذه الجمهورية ورسم سياستها العليا في وقت نحن في أمسّ الحاجة الى سياسة تقينا براكين المنطقة الملتهبة.
لعلّ المملكة بحثت ودققت وفتشت جيدا، لكنها لم تجد من تعرض عليه ضم لبنان للتحالف الاسلامي الجديد، فلا رئيس الجمهورية موجود ولا الحكومة فاعلة ولا مجلس النواب يعمل. اما وزارة الخارجية فمحسوبة بنظر السعودية على طرف لبناني هي حاليا على خصومة معه. هذه التجربة لا تؤكد الا ما هو مؤكد أصلا لجهة ان "الدولة السائبة تعلّم الناس على الحرام". فاذا كانت السلطات فيها تتعاطى بسياسة المونة مع مواطنيها، وهو ما ظهر جليا في ملف النفايات، ليتبين أنها لا تمون عليهم، فهل يُنتظر أن يكون هناك من يحسب لها أي حساب في صراع أسقط الحدود وشرّع الابواب وهدّ الكيانات؟
بالأمس كان الهمّ اللبناني الأكبر صياغة استراتيجية وطنية للدفاع تحدد مهام سلاح "حزب الله". اليوم لم يعد هناك من يعنيه هذا التفصيل خصوصًا وبعدما قرّر الحزب، ودائما بغياب المرجعيّة، التوجه الى سوريا شريكاً في الصراع... ليصبح الهمّ الأكبر بقاء واستمرارية لبنان بشكله الحالي ومكوّناته الحالية. الهاجس اليوم يتمحور حول مدى قدرة هذا البلد المتداعي على الصمود حتى بلوغ المعركة خواتيمها.
وتبدو "الفدرالية المقنّعة"، والتي هي من دون منازع النظام السياسي المعتمد حاليًا، خشبة الخلاص الى شاطىء الأمان. فمن يهدّىء الشوارع المذهبية المتنوعة المحتقنة اليوم سوى زعمائها المذهبيين؟ ومن يفرض الأمن فيها سواهم؟ هم وحدهم يفاوضون الدولة بموضوع النفايات، فيعارضون المكبّات فارضين أمرًا واقعًا على البلد ككلّ مفاده الغرق بالأوساخ حتى نضوج قرار الترحيل، كما أنّهم وحدهم من يقررون انتفاء الحاجة مِنْ تواجد مئات اللبنانيين في صراع خارج أرضهم، أو عدمها.
ولعل أكثر ما يثير السخرية في المشهد العام، تواجد لبنان على طاولة الدول الكبرى في فيينا التي تبحث بحل للأزمة السورية، والآن على طاولة التحالف الاسلامي لمواجهة الارهاب، وهو غير القادر على تحرير بلدة من بلداته وغير العالم بمصير 9 من جنوده يختطفهم "داعش".
وفي خضم كل ذلك، يبقى هناك من يحاول اقناعنا ان الحل للأزمات المتفاقمة هو بانتخاب رئيس للجمهورية، أو بترحيل النفايات او حتى بتفعيل العمل الحكومي، علما انّه هو اصلا غير مقتنع بهذه الحلول. دولة اللاقانون ودولة القبائل تحتاج للمرجعية اولا وآخرا، مرجعية لم يعد هذا النظام قادرًا على انتاجها... فهل من يعيد النظر بهيكلة هذه الدولة الفاشلة؟