بعد نحو أسبوعين من اليوم، وتحديداً مع نهاية السَنة، ستَعمد الولايات المتحدة الأميركية إلى إلغاء العقوبات المفروضة على إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها، وذلك في إطار تنفيذ الاتفاق بين البلدين حول البرنامج النووي الإيراني.
ويَحلو لبعض الديبلوماسيين الأميركيين تشبيه الاتفاق الأميركي ـ الإيراني بالاجتماع التاريخي الشهير في 14 شباط 1945 بين الرئيس الاميركي فرنكلين روزفلت ومؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود والذي عُقد في المدمّرة الاميركية كوينسي في قناة السويس. هذا الاجتماع الذي بقي سرّياً لمدة طويلة أرسى سياسة جديدة للولايات المتحدة الاميركية تجاه الخليج والشرق الاوسط لعقود عدة.
فواشنطن التي لمست اهمّية النفط السعودي خلال الحرب العالمية الثانية إضافةً الى اهمّية الموقع الجغرافي للمملكة، كانت قد باشرَت برسم استراتيجيتها في المنطقة العربية بعدما أرسَت نهاية الحرب العالمية الثانية واقعاً جديداً لتبدأ معها مرحلة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.
وفي ذلك الاجتماع الذي كرّسَ تحالفاً مقدّساً شكّلت معه السعودية إحدى الخطوط الحمر الأساسية للمصالح الحيوية الاميركية في العالم ركّز الرئيس الاميركي على نقطتين اساسيتين: الاولى تتعلق بأمن السعودية ومستقبلها والدور الذي ستلعبه كشريك إقليمي كبير وفتح أبواب السعودية امام الاستثمارات الاميركية الهائلة.
أمّا النقطة الثانية فهي طرحُ هجرة اليهود الى فلسطين، حيث جرى توطينهم لاحقاً وإنشاء دولة اسرائيل لتشكّلَ الركيزة الثانية لاستراتيجية الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.
وفي اعتقاد هؤلاء الديبلوماسيين الاميركيين أنّ واشنطن، ومن خلال اتفاقها مع طهران، إنّما تعمل على إرساء استراتيجية جديدة لسياستها تجاه الشرق الاوسط ستمتدّ لعقود عدّة الى الامام، أوّلاً في ظلّ اكتشاف الغاز الصخري، وثانياً للتبدل الكبير الذي أصابَ البنية الداخلية لدوَل المنطقة.
وثالثاً لاقتناع واشنطن بقدرة طهران على أن تكون عاملَ استقرار وثبات في الشرق الاوسط. ومِن هذه الزاوية يجب النظر الى الحروب التي شلّعت الكيانات الهرمة لدوَل المنطقة، والأهمّ للتسويات التي تنتظرها.
قطارُ الحلول والتسويات الذي انطلقَ من مستنقع اليمن سيمرّ في المحطات الأخرى مثل سوريا ولبنان، وبطبيعة الحال العراق، وصولاً إلى المشكلة الأُم أي التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية. ويبقى تنظيم «داعش» قوّة الدفع الفعلية لأخذ الجميع الى الحقبة الجديدة.
صحيح أنّ السعودية أعلنَت بلا مقدّمات عن تشكيل ائتلاف دولي إسلامي مهمتُه محاربة التنظيمات الارهابية، لكنّ هذه الفكرة التي كانت قد طرحتها سابقاً في الكواليس الديبلوماسية وعلى اساس تشكيل قوة إسلامية مهمّتها الانتشار في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» في سوريا، بدا أنّها طُرِحت باستعجال لأهداف سعودية داخلية، إضافةً إلى التغطية على النتائج التي آلت إليها الحرب في اليمن، فضلاً عن مواكبة الانطلاق الجدّي والفعلي لمفاوضات التسوية.
ولا تبدو الاوساط الديبلوماسية قلِقة من ردّ فعلٍ سلبي لإيران بسبب استبعادها، ذلك انّ طهران تدرك جيداً أنّها في الاساس لن تكون شريكاً متواضعاً ضمن هذا الائتلاف العريض، بل إنّ هذه الاوساط واثقة من أنّ لإيران دوراً أكبر ممّا هو مطروح، وأنّ القيادة الايرانية تدرك ذلك، ومعه فإنّ الاعتراضات التي ظهرَت في لبنان إنّما لها علاقة بطريقة اتّخاذ القرار الداخلي أكثر منه إشارة اعتراض إيرانية. وصحيح أنّ هذا الائتلاف الواسع ما يزال بحاجة الى كثير ليصبح واقعياً أو حقيقياً، إلّا أنّ لشمول دوَل أفريقية تفسيراً آخر.
ذلك أنّ معلومات راجَت لدى العواصم الغربية بوجود توَجّه جدّي لدى «داعش» بنَقل كثير من كادراتها إلى ليبيا، بعدما شعرَ التنظيم بدُنوّ مرحلة تصفيته في سوريا والعراق. ففي ليبيا ساحات مغلَقة وبيئة حاضنة وقدرة على التغلغُل في بلدان أساسية مثل مصر، إضافةً الى وجود النفط الليبي.
لكنّ الأهم هو قربُ ليبيا من السواحل الاوروبية، ما يشكّل خطراً مباشراً على الاستقرار الاوروبي، ومن هنا تحذير وزير الدفاع الفرنسي.
لذلك فإنّ الحملة العسكرية التي يستعدّ الجيش النظامي السوري لتنفيذها في ريف اللاذقية وحلب بالتعاون مع حزب الله وبتغطية روسيا، يتمّ درسُها بدقّة، خصوصاً لجهة المنطقة الشمالية لريف حلب حيث التواصُل مفتوح مع تركيا. وترى واشنطن في نجاح هذه الحملة في ريف اللاذقية والأجزاء الجنوبية لريف حلب مطلباً لتثبيت التوازن الميداني لمصلحة طاولة التفاوض لاحقاً.
وفي لبنان بدا أنّ العواصم الغربية تفهّمَت رسالة حزب الله بتعطيل التسوية الرئاسية، وتبدو الأوساط الديبلوماسية متمسّكةً بإنهاء الفراغ الرئاسي، ولو أنّها تعترف بأنّ ما حصَل سيؤدّي إلى تأخير إنجاز التسوية اللبنانية بعضَ الوقت ولفترة لا تتجاوز بضعة أشهر.
وفي هذا الوقت ستحصل مفاوضات مع حزب الله لطمأنتِه إلى مرحلة ما بَعد التسوية، خصوصاً أنّ ما يطالب به حول تشريع دور المقاومة وعملها، والمحكمة الدولية وقانون جديد للانتخابات لا يبدو مستحيلاً.
ويُصعَق بعض المستفسرين حين يَسمعون مجدّداً أنّ واشنطن تضَع في حساباتها المستقبلية إطاراً مقبولاً للتعاون مع حزب الله حول قضايا حسّاسة، بعدما أثبتَ في لبنان التزاماً حاسماً بفرض الاستقرار في الجنوب منذ العام 2006 وقدرةً كبيرة في طريقة التعامل مع الخلايا والمجموعات الإرهابية، وهو تعاون تحت ظلال التعاون العريض بين «الشيطان الأكبر» و»محور الشر» والذي أدخلَ المنطقة لتَوِّه في عصر جديد.