في خضم التسابق على حسم الميدان السوري، الذي يشهد انقلاباً بطيئاً ومدروساً وثابتاً منذ دخول الروس إلى الساحة السورية بتدخل عسكري مباشر، خصوصاً مع زيادة الجرعات الهجومية بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية، وتقدُّم الجيش السوري على جميع المحاور.. في خضم هذا السباق الميداني، لم يخرق ضجيج الدبابات والطائرات والقصف المدفعي، صوت انفجار اللغم السعودي بتشكيل "تحالف إسلامي ضد الإرهاب"، والذي أُعلن عنه في منتصف الليل، وتحت جنح الظلام.
يعكس الذهول اللبناني الرسمي بإعلان لبنان جزءاً من هذا التحالف، أزمة الحكم المستفحلة، وأزمة قبول الرؤساء منطق الالتزام بالدستور والقوانين والتخلي عن اختصار مجلس الورزاء بشخص رئيسه، ما يدفع إلى الايمان بأن "توصيف المهمة" لموقع ودور رئيس الحكومة يجب أن يتمّ تحديدهما كخطوة أولى نحو بناء دولة القانون والمؤسسات في لبنان، وذلك بعد أن قام الرئيس الأسبق رفيق الحريري بتكريس سوابق مخالفة للدستور، من خلال اختصار مجلس الوزراء بشخصه، فتفرّد بالقرارات في ظل استخفاف لبناني ومباركة سورية.
وبالرغم من محاولة الرئيس تمام سلام التخفيف من وطأة تفرُّده باتخاذ القرار، وإعلان موافقته على الانضمام "مبدئياً" إلى "الحلف الإسلامي"، يبقى أن ما قام به يُعتبر خطيئة كبرى، خصوصاً في ظل إدراج السعودية لحزب الله على لائحة الإرهاب، وفي ظل إعلان الحلف الجديد أن مهمته مكافحة "التنظيمات الإرهابية المسلحة أياً كان مذهبها وتسميتها".
وبغض النظر عن الموقف اللبناني، الذي سيبقى في إطار السجالات الداخلية ولن يؤدي إلى أي شيء في ظل موازين القوى الداخلية القائمة، يبقى أن الحلف المعلَن عنه في السعودية لن يخرج عن كونه "قنبلة صوتية" تحاول المملكة أن تخلق فيها لنفسها موقعاً على الساحة الإقليمية، خصوصاً بعد فشل حلفها السابق في الانتصار على اليمنيين الفقراء، وبعد فشلها في احتكار المعارضة السورية من خلال المؤتمر الذي عقدته، ورفض موسكو وسورية لهذه المحاولة، والتصدي لها بكافة أشكالها، ما جعل الأميركيين يتراجعون عن دعم "بيان الرياض للمعارضة السورية"، ويعودون إلى مقررات فيينا 1 و2، ويرضخون للشروط الروسية بتحديد المجموعات الإرهابية، وإعداد لائحة بها، وهو ما أعلنه كيري خلال زيارته لموسكو هذا الأسبوع.
والملاحظ أن كلاً من السعودية وتركيا وقطر تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتتسابق كل منها على حجز مقعد لها على طاولة التسوية المرتقَبة، فتركيا تنتقل من إرباك إلى إرباك، ولا يبدو أنها استطاعت أن تحقق إنجازات في خطواتها الهجومية الأخيرة، سواء في سورية أو في العراق، ولغاية الآن يبدو أن الأتراك استطاعوا فقط ليّ ذراع الأوروبيين وتحقيق مكاسب مادية ومعنوية من الأوروبيين المحرجين بصعود اليمين في الداخل، وأزمة اللاجئين الذي يطرقون أبواب الاتحاد بدون توقف. أما قطر فمراهنتها على "أحرار الشام" لإغراق الروس في المستنقع السوري، كما صرّح وزير الخارجية خالد العطية، يبدو أنها لم تنجح، كما أن محاولاتهم تلميع "جبهة النصرة" من خلال إخراج العسكريين اللبنانيين المخطوفين، لم تنطلِ على أحد.
في المحصلة، يبدو أن مصير هذا "التحالف الإسلامي" الذي شكّلته السعودية (وهو الحلف الثالث في سلسلة الأحلاف التي ترعاها المملكة خلال سنة ونيّف)، لن يكون أفضل مما سبقه، فالأول الذي أعلنته واشنطن اكتفى بعراضات إعلامية حول قصف أهداف ومواقع "داعش"، بينما بقي التنظيم الإرهابي يتمدد، والثاني الذي أعلنته المملكة "دعماً للشرعية اليمنية ضد الحوثيين والجيش اليمني"، الذين كبدوا المملكة وحلفاءها الخسائر البشرية والمادية والعسكرية، أدّى الى قبولهم بالتفاوض مع الحوثيين للوصل إلى حل سياسي، أما "الحلف الإسلامي" الجديد فما هو إلا محاولة متأخرة جداً للسعودية لتُبرز نفسها "زعيمة للعالم الإسلامي"، وفي محاولة لتصدّر المشهد الإقليمي والالتفاف على تراجعها في ملفات سورية والعراق واليمن، وفي النتيجة لن يعدو كونه سوى عراضة إعلامية لن تغيّر في مواقف حلفاء السعودية الذين تراجعوا عن إسقاط النظام السوري - أقلّه الآن كما أعلن جون كيري - ولن تبدّل في موازين القوى على الأرض التي تميل لغير صالح المجموعات التي تدعمها السعودية في سورية.