قبل أن يختم الزميل مارسيل غانم مقابلته مع النائب سليمان فرنجية أول من أمس، دارت ماكينة تيار المستقبل لتبثّ ما استخلصته من المقابلة: «حزب الله موافق على التسوية التي اقترحها الرئيس سعد الحريري لإيصال فرنجية إلى قصر بعبدا». ابتهج الحريري بهذه الخلاصة إلى درجة اتصاله بـ»صديقه الجديد» بعد المقابلة لتهنئته بمضمونها.

بالنسبة إلى الحريري وفريقه، يبقى هامشياً ما قاله فرنجية على شاشة «أل بي سي آي» عن أنه لم يكن يتوقع أن يقترح الحريري ترشيحه إلى الرئاسة في لقائهما الباريسي في التاسع عشر من الشهر الماضي، وأن الامور تسارعت إلى درجة أن أحداً لم يملك وقتاً للتنسيق مع حلفائه، وأنه سمع من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التزامه بترشيح الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.

كان بعض المستقبليين، كالنائب السابق غطاس خوري ونادر الحريري، يروّجون لشائعة تقول إنهم تلقّوا إشارات من حزب الله تفيد بأنه «سيمشي بالتسوية، وبأنه يحتاج إلى بعض الوقت لإقناع النائب ميشال عون». عزّزوا هذه الشائعة بما سمعوه من فرنجية بعد لقائه السيد نصرالله قبل 8 أيام. ينقلون عن الزعيم الشمالي قوله: «السيد طلب وقتاً».

على الضفة الأخرى، راجع سياسيون وإعلاميون كثر مسؤولين في حزب الله، بشأن ما أدلى به فرنجية في مقابلته. سمع المراجعون أن الموقف بعد المقابلة لا يزال كما كان قبلها: «ملتزمون أخلاقياً وسياسياً بالعماد ميشال عون مرشحاً للرئاسة. والسيد سبق أن قال لفرنجية في لقائهما الأخير: أنت واحد منّا، والجنرال عون حليفنا. ونحن لن نتراجع عن أيّ التزام مع حليفنا. هو مرشحنا إلى الرئاسة، ولا يزال أمامك المزيد من الوقت».

إلى جانب مسؤولي الحزب، توقّف مسؤولون رفيعو المستوى في فريق 8 آذار عند عدة نقاط في مقابلة فرنجية. في الصورة العامة، رأوا أن المقابلة بدت وكأنها تهدف إلى أمرين: الأول، إطلاق النار على الجنرال ميشال عون؛ والثاني، تقديم أوراق اعتماد لدى الحريري والسعودية. وتحقّق الهدفان، لكنهما أيضاً أدّيا إلى تراجع حظوظ فرنجية الرئاسية.

أبرز ما لفت نظر المسؤولين المذكورين هو «ذكر وقائع غير دقيقة بخصوص التواصل بين فرنجية وسماحة السيد، إذ بدا من كلام فرنجية أن حلفاءه شجّعوه على المضيّ في التسوية إلى ما وصلت إليه». ففرنجية قال إنه كان ينسّق مع حلفائه، لكنه تجاهل ذكر ما كان هؤلاء الحلفاء يقولونه له، وما كانوا يحذّرونه منه، لناحية الخشية من نية الحريري ومن خلفه الإيقاع بين الرابية وبنشعي، وبين عون وقوى 8 آذار. لا يتّهم المسؤولون الآذاريون النائب الشمالي بسوء، بل يقولون إنه لم يكن موفّقاً في طريقة تعبيره. يضيفون أنه أراد الظهور بموقع المنفتح، فأكّد أنه لن يعزل سمير جعجع، فيما هو يُطلق النار على الجنرال. وفي هذا الصدد، يقول المسؤولون أنفسهم إن حزب الله الذي رفع شعار منع عزل عون، ورفض استهدافه سابقاً، لن يرضى أن يتعرّض الجنرال لهجوم، تحت عنوان التسوية الرئاسية، وخاصة أن السبب الاول لاستهدافه من قبل الفريق الآخر هو حلفه مع المقاومة.

في الجانب «الاستراتيجي» من كلام فرنجية، يتحدّث المسؤولون الآذاريون عن عدم رضى حزب الله عن تقديم فرنجية للرئاسة كما لو أنها «شأن تكنوقراطي». فرئيس الجمهورية في لبنان لا يُنتخب بناءً على برنامج لتأمين التيار الكهربائي وحل أزمة السير والنفايات. لو كان الأمر كذلك، لأتي بمرشح توافقي من فئة التكنوقراط، ليحل هذه الأزمات. السيد نصرالله وضع أمام فرنجية تصوّراً للرئاسة بصفتها تعبيراً عن نتائج المعركة الدائرة في الإقليم بين محورين. «وهذه المعركة هي أحد منطلقات دعم حزب الله لترشيح عون إلى الرئاسة»، يقول المسؤولون الآذاريون، مضيفين: «صحيح أن اسم فرنجية وتاريخه هما ضمانة سياسية للعلاقة مع المقاومة وسوريا، لكن ذلك لا يُجيز تجاهل أصل المعركة في سوريا اليوم ودور سلاح المقاومة ومئات الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن وجود لبنان وسوريا، تحت عنوان التوافق الوطني».

إلى جانب حزب الله، بدا العونيون أمس مرتاحين لنتيجة مقابلة فرنجية. صحيح أن البعيدين منهم عن دائرة القرار ارتابوا من حديث فرنجية عن دور حلفائه في التسوية، إلا أن من بيدهم الأمر رأوا في كلام «عضو تكتل التغيير والإصلاح» نهاية للمرحلة الرمادية التي حكمت العلاقة بين الرابية وبنشعي خلال السنتين الماضيتين. التزم العونيون بالتهدئة الإعلامية مع فرنجية (بقرار ذاتي، لكن حزب الله أيضاً لعب دوراً في تشجيع ماكينة التيار على عدم الرد على الحليف)، فيما يعبّر بعضهم عن رضاه «لأن فرنجية أحرق الكثير من أوراق القوة التي تمثلها علاقته بحليفيه الرئيسيين، أي حزب الله والرئيس السوري بشار الأسد». واستغربت مصادر تكتل التغيير والإصلاح عدم نفي فرنجية للسؤال الذي طرحه عليه الزميل غانم، عن أن الوزير جبران باسيل جعله ينتظر في صالون منزله 10 دقائق قبل استقباله. ونفت المصادر هذه الواقعة جملة وتفصيلاً، ورأت في تعامل فرنجية «إفراطاً في السلبية، ورغبة في التسبّب بمشكلة معنا، من دون أي مبرر».