بعد خمس سنوات من الحرب غير المسبوقة بأساليبها ونمطها ووحشتيها يبدو أن أرباب العدوان على سورية وصلوا إلى ساعة الحقيقة ساعة اضطروا فيها للاعتراف بعجزهم عن تحقيق أهداف عدوانهم وعجزهم عن الاحتفاظ بما في يدهم قبل فقدانه كليا وخروجهم من المسرح صفر اليدين.
لذلك رأوا أن يسلكوا طريق تسوية سياسية تحجب هزيمتهم، فساروا منذ ثلاثة أشهر تقريبا ومنذ أن أدركوا أن متغيرات الميدان السوري باتت واضحة في غير مصلحتهم، سلكوا مسار التسوية السياسية بشكل متسارع فكانت لقاءات فيينا ثم توج الأمر بالقرارين 2253 (محاربة الإرهاب) و2254 (التسوية السياسية) فما الذي حققته سورية عبر هذين القرارين وهل هناك هواجس ومخاطر عبرهما؟
بداية ومن حيث الشكل نرى أن الموقف الدولي المعبر عنه بالقرارين أعلاه، يستجيب للمنطق السوري الذي ارساه الرئيس الأسد منذ السنوات الأولى للعدوان عندما ميز بين مكافحة الإرهاب والإصلاح السياسي واعتبر أن مواجهة الإرهاب واجب منفصل ويتقدم على أي شأن آخر، بينما اعتبر الحل السياسي شأن سوري يقرره الشعب السوري عملا بالسيادة الوطنية. واليوم وبصدور قرار مستقل متصل بكل شأن مع تقدم قرار مكافحة الإرهاب زمنيا على القرار الثاني المتعلق بالعملية السياسية فيكون في الأمر دلالة واضحة على انتصار المنطق السوري خاصة وأن نص القرار 2253 يستجيب لمعظم مطالب سورية في هذا الشأن.
أما في المضمون فإننا وبعد تشريح القرار 2245 وتحليل نقاطه الرئيسية التي جاءت بعد المقدمة التمهيدية والبنائية في 15 نقطة فأننا نختصر الأمر في مواضيع خمسة كالتالي:
أولا. موقع الرئيس.
بعد أن تحول موقع الرئيس في سورية مؤشرا على المنتصر في المواجهة فإننا نجد القرار قد كرس الاتجاه الذي ارسي في فيينا خلافا لما فسر به بيان جنيف 1، حيث فسر الغرب الباب الأخير بانه يفرض على الرئيس التنحي لمصلحة هيئة حكم انتقالي تؤول اليها كافة صلاحيات السلطة في سورية وتتولى هي منفردة بعد ذلك إدارة شؤون الدولة وما يتصل بها من إرساء نظام جديد لا يلتزم بشيء من مؤسسات النظام السابق، أما في فيينا وتاليا في هذا القرار فقد أعيدت العملية السياسية كلها بما في ذلك موقع الرئيس أعيد إلى الشعب السوري وحده ، الذي يمارس حقه في الاختيار والقرار عبر انتخابات حرة نزيهة. ما يعني أن المعتدي سلم بعجزه وأقر بهزيمته في هذا المجال. وهنا لا نرى أهمية قانونية للمواقف التي أطلقها مسؤولو أميركا وفرنسا وبريطانيا لجهة العودة إلى مقولاتهم السابقة بصدد الرئاسة السورية لأننا نرى في تلك الأقوال مواقف استعراضية إعلامية لإخفاء هزيمة وطمأنة الحلفاء والتابعين بأن هناك محاولات ستتم في المستقبل لتعويض هذه الخسارة، وهنا تكمن الهواجس التي أشار اليها مندوب سورية في الأمم المتحدة مباشرة بعد سماعه بيانات تلك الدول بعد اعتماد القرار. أذاً هم وافقوا على القرار الذي يؤكد إخفاقهم لكنهم يكابرون ويناورون لإخفاء ذلك وتعويضها وهم أصلا لا ثقة بهم ويحترفون الانقلاب على الاتفاقات ما إن يشعروا بقوة ما.
ثانيا. شكل الدولة:
أكد القرار على الالتزام بوحدة سورية وسيادتها ومرجعية شعبها وقراره المستقل والأهم من كل ذلك وفي ظل ما يروج أو يتداول من مشاريع فقد أكد القرار على علمانية الدولة وتشكيل حكومة لا تكون على أساس طائفي أي أن محاولات استنساخ النموذج اللبناني أو العراقي سقطت. فلن تكون سورية إلا دولة مدنية واحدة.
ثالثا العملية السياسية.
وضع القرار خريطة مسار سياسي مبنية على محطات أربع تنفذ حلال سنتين يتم خلالها تفاوض بين الحكومة والمعارضة، يليه تشكيل حكومة تتولى استكمال المراحل الأخرى، من وضع دستور للبلاد، وأجراء انتخابات (نيابية ورئاسية) على أساسه. ونحن نرى أن ما أكد عليه القرار في هذا الشأن يؤكد على:
استمرارية الحكم القائم ومشروعيته وصلاحيته في إدارة الدولة وممارسة الحكم حتى إيجاد البديل. وفي هذا صفعة لكل من شكك بالحكومة السورية أو امتنع عن العمل معها بقيادة الرئيس الأسد.
إن التفاوض مع الحكومة وليس الإملاء من الخارج هو الذي يقود إلى تشكيل حكومة جدية ولن يكون هناك بديل لما هو قائم ألا وفقا لما تقبل به الحكومة السورية بنتيجة تفاوض مع أطياف المعارضة والأمر سيرجع في نهاية المطاف إلى الشعب السوري الذي يقبل ما توصل اليه الأطراف في المفاوضات أو يرفض. وفي مسألة التفاوض فقد كسر القرار الاحتكار الذي مارسته قيادة العدوان في تعيين من يمثل المعارضة ورغم أن القرار أولى أهمية لمؤتمر الرياض ذي الصلة فانه ألمح إلى معارضة لقاء موسكو ولقاء القاهرة وأناط بالأمين العام تحديد من يدعو منهم للمفاوضات، مع تغير في وظيفتها من مفاوضات لاستلام السلطة كما حاولوا في جنيف 2 إلى مفاوضات للإصلاح السياسي كما هو واضح في القرار.
حلت عبارة تسوية سياسية دائمة في سورية و«عملية سياسية بقيادة سورية » مكان عبارة «هيئة الحكم الانتقالي وتفويض كامل السلطة». أي انتقلنا من الأملاء الخارجي وتعيين الحكام والسلطات بقرار أميركي سعودي تركي قطري إلى تسوية يختار السوريون فيها حكامهم ويكون للحكومة السورية الدور الرئيسي في الوصول اليها لعرضها على الشعب وهنا أهمية عبارة « الموافقة المتبادلة» على إنشاء هيئة الحكم مع استمرار مؤسسات الدولة القائمة حاليا.
رغم هذه الإيجابيات تبقى هواجس تتصل بمسار العملية السياسية المعقدة والتي يشوبها بعض الغموض ما يستوجب الحذر، خاصة وأن العملية ستكون بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة المنحاز بشكل شبه كلي للفريق المناهض للحكومة السورية، وقد أنيط به تشكيل فريق المعارضة المفاوض كما يخشى من ضغوط وتحميل مسؤوليات عن الفشل والعرقلة أو المماطلة وهنا لا يمكن أن تهمل بعض الأسئلة:
كيف ستشكل الحكومة الجامعة وبأي تاريخ؟ وطبيعي أن نقول إن الحكومة تلك يجب أن تشكل وفقا لأحكام الدستور النافذ وأن تكون ثمرة تفاوض بين الحكومة القائمة وأطياف المعارضة لكن ذلك لن يكون سهلا وهنا أيضا يسأل عن دور فريق العمل الدولي في التشكيل؟
كيف سيوضع الدستور وكيف سيعتمد؟ هل ستشكل لجنة لصياغة ما ينتج عن تفاوض الحكومة والمعارضة، ثم هل الدستور سيعرض على استفتاء شعبي أم يعتبر الدستور مؤقتاً ويترك امر الدستور الدائم للحكومة الجديدة بعد الانتخابات؟
أي آلية ستعتمد لضمان تصويت سوريي الخارج من غير أن يكون هناك تزوير أو تلاعب بالنتائج بحيث يكون صوت هؤلاء محاكاة لصوت الدولة التي يقيمون فيها ونحن نعلم أن هناك ا كثر من خمسة ملايين سوري في الخارج معظمهم في بلدان معادية للحكومة السورية الحالية.
مسألة الإشراف الدولي على الانتخابات والمدى الذي سيصل اليه فهل ستتنطح الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات أم ستكتفي بتعيين من يواكب الانتخابات ويراقبها من غير تدخل ويكون إجراؤها شانا سوريا تختص به الحكومة السورية التي ستقوم بنتيجة البدء بالعملية السياسية؟
رابعا محاربة الإرهاب ووقف إطلاق النار.
نسجل بإيجابية ما جاء في الفقرة الثامنة لمحاربة الإرهاب خاصة لجهة تحديد داعش والنصرة والقاعدة ومن يرتبط بهما أولا ثم الحديث عن وجوب القضاء على داعش وحرمانها من الملاذ الآمن في سورية وهذا يناقض الموقف الأميركي السابق الذي انطلق يوم تشكيل التحالف الدولي أي «احتواء داعش وضبط سلوكها في سورية». كما نسجل توقف القرار عند المسالة الفكرية والعقائدية للإرهابين لكن عندما نصل إلى موضوع وقف إطلاق النار نراه امراً معقدا فيه الكثير من الثغرات والكمائن. حيث تم النص عليه ليكون بالتلازم مع انطلاق العملية السياسية، والملفت هنا وفي سياق النص عليه كانت العودة إلى الحديث عن «الانتقال السياسي «حسب بيان جنيف « وبيان فيينا. وهنا مكمن الحذر لأننا نرى أن الأمر يتطلب الكثير من العناية وإيجاد آلية تكاملية للتنفيذ. وهنا تطرح الأسئلة:
في ظل سيطرة القوى المصنفة إرهابية على 85% من المناطق الخارجة اليوم عن سيطرة الدولة أي حديث سيكون عن وقف إطلاق النار طالما أن المبدأ المتفق عليه ألا تفاوض ولا مهادنة مع الإرهاب؟ (عمليا لن يكون وقف نار)
أي آلية ستعتمد لوقف إطلاق النار؟ ثم هل سيستقدم عسكريون أجانب للانتشار في سورية من اجل المراقبة خاصة وأن الأمين العام هو من سيختار عناصرها إن وجدت؟ وتجربة المراقبين العرب والمراقبين الدوليين في الأذهان.
إجراءات بناء الثقة والمسائل الإنسانية:
رغم الإيجابية الظاهرة في مخاطبة كافة الأطراف الموجودين في الميدان السوري للقيام بإجراءات بناء الثقة وفي هذا تراجع عما كان الغرب يصر عليه من تحميل الحكومة السورية المسؤولية عن الجرائم والفظائع التي ترتكب في الميدان مع شبه تبرئه للإرهابيين فإننا لا نستطيع أن نطمئن لدور تلعبه الأمم المتحدة في هذا المجال خاصة وأن الأمين العام هو الذي سيواكب الموضوع. وأخيرا يبقى سؤال لماذا اقتصر النص على مخاطبة النازحين في الداخل للعودة الطوعية إلى ديارهم؟ لماذا لم يشمل نازحي الخارج أيضا ولماذا طوعية؟
أما في تقييم عام فإننا نرى أن القرار 2245 اكد هزيمة العدوان على سورية و اظهر واقعا دوليا جديدا هو الذي تحدثنا عنه في أيلول 2011 عندما كتبنا بانه «من الرحم السوري يولد النظام العالمي الجديد» و جاء القرار ثمرة أولية لهذا الجنين الدولي ليعلن بداية العملية السياسية ، لكن لا يمكن أن يركن اليه و يترك السلاح إذ قد يكون المستقبل اشد صعوبة و يستلزم اعلى درجات الحذر لان من خسر رهاناته مشهور بغدره ، ثم إن العملية لن تكون قصيرة فأقلها سنتان و قد تصل إلى ضعف المدة تلك مع المفاجآت التي تفرض بقاء اليد على الزناد في الميدان حيث القول الفصل.