ليس سهلاً على اي رئيس حكومة ان يعلن عن موقف من قضية ما، ليظهر بعدها ان هذا الموقف نفسه قد لا يُتّخذ او ان يقال عنه انه موقف يعبر عن صاحبه فقط.
هذا ما يعيشه اليوم رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في قضية التحالف الاسلامي على الارهاب الذي اعلنته السعودية، حيث اعلن تأييده له، فكان الرد سريعاً من "حزب الله" بأن لبنان ليس معنياً بأي حال من الاحوال بهذا الامر.
وأُخذ على سلام أمران في هذا السياق: الاول انه لم يتم وضع وزارة الخارجية في صورة ما يحصل، وان هذا الأمر يمسّ بصلب التعاطي بين الدول، فيما كانت قوى "14 آذار" تدعو في كل مناسبة الى احترام سيادة واستقلال لبنان والتعاطي معه من دولة الى دولة، وهو امر نادت به السعودية ايضاً اكثر من مرة.
اما الامر الثاني فيتعلق بعدم استشارة مكونات الحكومة في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به، خصوصاً وانها صُنّفت اكثر من مرة على انها حكومة تصريف اعمال ليس الا، وهو لم يَدعُ الى اجتماع لها سوى من اجل قضية محددة هي البت بملف ترحيلالنفايات مع شرط عدم وضع اي بند آخر على جدول الاعمال تحت طائلة عدم الاستمرار في الجلسة.
ولاقى قرار سلام معارضة ايضاً تحت ستار انه ليس مخوّلاً اختصار قرار لبنان، وبالاخص في ظل غياب رئيس للجمهورية الذي لا يقبل الكثيرون ايضاً ان يختزل قرار لبنان بشخصه، وهو ما ظهر جلياً ابان عهد الرئيس السابق ميشال سليمان حين تفرّد باتخاذ مواقف لاقت معارضة قوية من قبل شريحة من القوى واللبنانيين.
في المقابل، حاول سلام ان يمتصّ ردة الفعل التي ظهرت، فأوضح عبر "مصادر" ان ما حصل هو من اجل لبنان وسيستفيد منه من الناحية الاستخباراتية والعسكرية دون ان يشارك ميدانياً في هذا التحالف. ويدافع سلام في هذا المجال عن موقعه كرئيس للحكومة وعن رؤيته لمصلحة لبنان الذي لا يمكنه الوقوف في وجه دولة كالسعودية، وبالاخص حين يتعلق الامر بمسألة الارهاب، في حين ان الجميع يدرك تماماً عدم قدرة لبنان على المشاركة عسكرياً في اي تحالف دولي او اسلامي او عربي او غيره، لان قواه المسلحة تكاد لا تكفي من اجل ضمان امن البلد واستقراره، فكم بالحري ارسال جنود الى خارج لبنان؟ واذا كان لبنان لا يزال ينادي بتسليح الجيش ويتلقى مساعدات عسكرية من دول اجنبية، فكيف باستطاعته ان يستغني عن معدات عسكرية؟
اما عن مسألة وضع الرياض "حزب الله" على لائحة الارهاب، فوفق منظار مؤيدي مواقف رئيس الحكومة، هو موضوع آخر لم يتم التطرق اليه، ولم يوافق عليه سلام. وقد يعاتب هؤلاء وزارة الخارجية على اتخاذها قراراً دون مراجعة رئيس الحكومة ولو انه سيوافق عليه لاسباب عدة اهمها الحفاظ على الوحدة الداخلية.
وبين هذا وذاك، يبقى الثابت ان "حزب الله" وجّه رسالة واضحة لا لبس فيها لسلام، مفادها: الامر لي. وهي تعني عملياً ان رئيس الحكومة لا يمكنه ان يتخذ اي قرار او موقف ضد مصلحة "حزب الله" اياً يكن، وانه وفي ظل ما يعتبره الحزب انتصاراً لخطه السياسي في المنطقة، لن يقدّم اي تنازلات تضرّ به، لا بل ينتظر ان يقدّم الآخرون تنازلات يطرحونها على الطاولة من اجل التوصل الى تسوية ما شرط ان تكون شاملة كما حدّدها الامين العام للحزب.
ولكي نكون واقعيين، يبقى الحزب ممسكاً بزمام الامور في لبنان من الناحيتين السياسية والعسكرية، الى حين الوصول الى حل شامل في المنطقة، يلحظ اعادة لبنان الى وضعه الطبيعي، وعودة "حزب الله" من سوريا عسكرياً بمكاسب سياسية محلية واقليمية.